اكثر من حريق في العراق باتت نيرانه تلامس الجارة ايران.. وخلال شهرين او اكثر شعر الايرانيون بان التفرج على ما يحدث في العراق هو من اسوأ الحلول المقترحة، ولربما صعب على الايرانيين وهم المعروفون بقدرتهم على المطاولة التكهن بمسار الاحداث المتداعية في هذا البلد حيث يتناغم الحدث السياسي والاقتصادي مع القومية والدين والطائفة والمذهب وتتعرج المسارات ويصعب التنبؤ بنهاياتها.
إيران التي تريد مسك كل الخيوط وانتهاز فرصة التردد والارتعاش الاميركي استنفرت كل امكانياتها والوسائل المتاحة بيد مؤسساتها لمتابعة الملف العراقي وسط محيط اقليمي ودولي متشابك تخوض فيه الدبلوماسية الايرانية جولات من الصراع مع الولايات المتحدة الاميركية والغرب في ملفها النووي الذي يمتد صداه على مساحة دولية واقليمية واسعة يتصل بعضها باسرائيل ودول الخليج. وفي جانب اخر ما يزال الحريق السوري بكل فصوله وحيثياته مستعرا وتلامس حرارته بقوة سياسة ايران وامنها القومي وصولا الى دور حزب الله اللبناني في هذا الصراع.
وفي الملف العراقي لم يتوقع الايرانيون ان تصل مجريات التنافس الوطني الداخلي بين كيانات واحزاب مؤيدة لايران الى ما يشبه (الفلتان) مع اصرار رئيس الوزراء نوري المالكي على الابقاء لمستوى التعامل مع شركاء التحالف الوطني في قيادة الدولة العراقية ونفور هؤلاء الشركاء من من هذا المستوى وتكرار مطالباتهم بتغيير النهج ومن ثم المطالبة بتغيير شخص المالكي.
وفي موازاة هذه الازمة ثمة خلافات داخلية في ايران بين ما يسميه بعضهم بالصقور والحمائم من المعنيين بالملف العراقي وطرائق تعاملهم مع مفردات الازمة العراقية برمتها.. المشهد العراقي بالنسبة إلى الايرانيين بات معقدا وفيه اكثر من فجوة فالخلافات الدائرة اليوم ترسم معادلات جديدة قوامها خلاف شيعي- شيعي وخلاف سني- شيعي وخلاف شيعي- كردي، وهناك ما هو اكثر عمقا وابعد مدى يتمثل بخطر انفصال كردستان عن العراق وخطر امتداد داعش العسكري واللوجستي على الحدود العراقية السورية بما يهدد ميزان القوى العسكرية في داخل ساحة الاحتراب السوري والى جانب هذه التداعيات العسكرية ثمة مخاطر امنية على الامن القومي الايراني مع اقتراب داعش من مساحات ايرانية متاخمة للحدود العراقية وما سينتج عن ذلك من تهديدات للتبادل الاقتصادي والتجاري بين ايران والعراق واقليم كردستان وغيرها من البؤر المستعرة.
ذلك كله وغيره دفع رأس الهرم الايراني المتمثل بالمرشد الاعلى علي خامنئي لارسال رئيس مجلس الامن القومي الايراني الجنرال علي شمخاني الى العراق غداة اتصالات ومشاورات مع ممثلي وزعماء الاطياف العراقية في محاولة لاطفاء النيران المشتعلة في العراق ومحيطه الاقليمي، وقد سبقت زيارة رئيس مجلس الامن القومي الايراني لبغداد واجتماعاته مع القادة العراقيين زيارة نائبه محمد رضا مقدمي لاقليم كردستان ولقاؤه رئيس الاقليم مسعود بارزاني في اربيل من اجل الوقوف على ما يوقف الانهيار والتداعي السلبي بين العرب والاكراد ومطالبته الكرد خلال الاجتماع للانضمام الى جهود ايران والعراق لمواجهة مخططات الارهاب التي اصبحت تهدد الايرانيين والعرب والاكراد معا والمساعدة على اعادة دوران العملية السياسية في العراق وحل الخلافات على وفق محاولة جديدة للنجاح في تشكيل الحكومة المرتقبة.
فهل سينجح شمخاني في مسعاه في هذه الزيارة الطارئة والمهمة؟ هذا ما ستتضح معالمه خلال الايام القليلة المقبلة.
د. علي شمخي