بغداد ـ حذام يوسف طاهر:
ضمن منهاج رابطة النقاد العراقيين في اتحاد الادباء، ضيفت الناقد والباحث والمترجم سعيد الغانمي للاحتفاء بتجربته الابداعية الغنية بكل الوان المعرفة والثقافة، ولمناسبة حصوله على جائزة الشيخ زايد، في حقل الفنون والآداب. حضر الجلسة حشد من الادباء والمثقفين والباحثين. أدار الجلسة الدكتور جاسم الخالدي الذي بدأها بقوله :» طاب يومكم وانتم تحلمون بوطن تسوده المعرفة والثقافة، واهلا بكم في جلسة اخرى من جلسات رابطة النقاد العراقيين في اتحاد الادباء، مع قامة عراقية شامخة، استطاعت عبر اكثر من ثلاثة عقود، ان تنسج حكاياتها وتبتكر لها طرائق جديدة ومتنوعة، لكل ما تناولته في مجال الادب والترجمة. ضيفنا المولود على ضفاف الفرات، بدأ شاعرا وله ديوان شعر بعنوان (البدايات الاخيرة)، الذي انتهى منه عام 1986، ولم ير النور الا في السنوات الاخيرة، ولكن الغانمي لم يواصل مشوار الشعر، وسلك مسلكا اخر كانت اللغة هي من جذبته الى فضاءاتها، اللغة التي تعني التفكير والشغف بعوالم الكلمة ، التي ظل ملاصقا لها حتى اخر اصدار له. كانت قراءاته الاولى، بل كل تحولاته من ما هو شعري الى ما هو فلسفي وفكري، كافية لان يواصل منحاه النقدي صوب عوالم الفلسفة والتاريخ والاسطورة، ولعل قبوله في كلية الآداب قسم الترجمة بجامعة الموصل، يشكل فتحا اخر من فتوحاته باتجاه المعرفة اذ كان خيار النقد في هذه المرحلة سنوات الثمانينيات تحديدا هو الاكثر اختيارا له، ومن نهاية الثمانينات وبداية العقد التاسع، وتحديدا عام 1995 وجد ان بغداد لا تتسع لطموحه الادبي الابداعي، وان الحصار بدأ يضيّق عليه وعلى امثاله من الادباء والمبدعين. فكانت ليبيا هي الوجهة المتاحة له ولغيره من الادباء، وهذا تحد اخر، كيف يجد له موطن قدم في بلد اخر، ولعل كتابه (المخيال الصحراوي في ادب ابراهيم الكوني) اصدق جواب على ذلك، فقد كانت تجربة ليبيا مهمة له، إذ وجد في العزلة فرصة في فتح كوة جديدة لقراءته، فكانت الفلسفة حاضرة، ثم انتقل الى عمان وعمل هناك في الصحافة، ولعلها كانت البوابة التي يطل من خلالها للوصول الى استراليا وهي المحطة الرابعة من محطات حياته».
تضمنت الجلسة عددا من الاوراق النقدية والشهادات بحق الضيف الغانمي، و البداية كانت مع الناقد فاضل ثامر وحديث عن رحلة من العمل والحوار والصداقة معه :» احيي الزميل الغانمي بمناسبة حصوله على جائزة الشيخ زايد الذي كان يستحقها من سنوات، ولكن للأسف كانوا يحجبونها عنه لأسباب سياسية، ولكنها اليوم اتت له بكل جدارة واستحقاق. تربطني بالصديق سعيد الغانمي عدد من الوشائج. ربما استطيع ان احدثكم عنه وعن علاقتي به لأسبوع كامل، ولا ادري حقيقة كيف ابدأ، فقد عرفته منذ ظهوره بالوسط الثقافي، واتذكر كيف كان يدخل ذلك الشاب الذي يرتدي بدلته العسكرية وتحسبه من الجنود الهاربين من الجبهة !، وكان يدخل اتحاد الادباء كظلي تماما، ونتحدث ونتحاور، ولكنه كان يتجنب الاحتكاك بالوسط الثقافي والادبي، ولذلك حاربوه وكانوا يتعاملون معه كأي جندي آخر دون تقدير لمستواه وقدرته الادبية التي تميز بها عن الكثير من جايلوه، كان حذرا وقليل الحضور في النشاطات الثقافية، وكان يفخر بان اباه من انصار ثورة تموز وعبد الكريم قاسم، اذكر مرة انه دخل في نقاش حاد عن ثورة تموز ضد انقلاب 68. في حواراتنا كان سعيد الغانمي دائما، هامسا هادئا، كان يعيش في عزلة الى حد ما، ومنذ بداياته انكب الغانمي على الكتاب وربما هو قريب من حكاية شخص اختار ان يقضي حياته في المكتبة، وكانت حياة سعيد الغانمي مثل هذا الشخص تماما، كان يركز على العمل الابداعي والكتابة والقراءة، ولديه كما يؤكد لي قدرة على الكتابة لمدة عشر ساعات، سعيد الغانمي كان ومازال منكبا على القراءة والكتابة، هو رجل نشط ومعطاء وقد زاملته في تلك السنوات الصعبة في زمن النظام الدكتاتوري، وذهبنا الى ليبيا معا، قضينا اياما جميلة في منطقى يسمونها زوارة وكان معنا عدد من الادباء والكتاب العراقيين، نساهم في الانشطة الثقافية هناك، ومنذ بداياتنا اتجهنا باتجاهات متفرقة في النقد، وسعيد الغانمي كان مولعا بالبحث عن باللغة ومصادرها وبدأ يترجم الكثير من المطبوعات العالمية ويركز على مفاهيم البلاغة وكل هذا انعكس على كتاباته، فكان يبدع في ترجمته لبعض المفردات التي ينقلها عن الاعمال الادبية ويجهد نفسه في ايجاد مرادفات قريبة من المعنى وقد أبدع في ذلك..».
وكان للأستاذ ناجح المعموري رئيس اتحاد الادباء مشاركة في الحديث عن الاستاذ الغانمي عبر كلمة اشاد بها في اسلوب الغانمي بالمتابعة وتميزه في مجال البحث والترجمة :» اهلا بكم في واحد من اهم الجلسات للناقد والمفكر البارز سعيد الغانمي، وربما يتبادر لذهن الكثير من الاصدقاء انني سأذهب في الحديث عن ملحمة كلكامش، لكني سأحاول المرور على ما تميز به سعيد الغانمي الاشتغالات بموضوعة الفلسفة، هذا الجانب المهم الذي غالبا ما ينحاز اليه الغانمي، ولجأ الى ترجمة اهم المصادر الفلسفية، في عمله يستلم بمهارة عالية ويوظف مصادر المعرفة الاخرى لديه، بعد دخولها في عقلية الغانمي، ومن اهتماماته الفلسفية التي جعلته يترجم اهم المصادر، هو انشغاله بالمقولة الجوهرية لغالف التي تتحدث عن المخفي والظاهر، سعيد الغانمي فتح امام المتلقي العراقي، رغبة لتملس العناصر المكونة للثقافة العالمية له واجده مهووسا بكل ما يصدر من مطبوعات. سعيد الغانمي ما يلفت النظر له هو ان لاشيء في الثقافة المتاحة لسعيد الغانمي لا تخضع للتوظيف ، او ما يسمى بحراثة المفاهيم الذي اجتهد ليكون المعنى هكذا بعد ترجمته لمفردة الثقافة، واكتشفت انه في هذا الكتاب (الزراعة النقدية )، قد ابدع في توظيف اصل المفردة وادخالها بسياق مثير للانتباه وهو حراثة المفاهيم وكان من الممكن ان يكتب شيئا اخر..».
وتتواصل المداخلات في جلسة الغانمي لتشارك الناقدة الدكتورة نادية هناوي في ورقة نقدية لكتابات الضيف، جاء فيها :» جميعنا مدينون له بكل ما كتبناه وقرأناه ، والحقيقة النزعة البحثية التي امتاز بها الغانمي، امتازت بملامح خاصة ومميزة ولعل في مقدمتها بحثه عن النظريات ، ولم يكن مرتبطا بمنهجية معينة، واجده مغامرا ، كتاباته ومؤلفاته البحثية استقاها من روافد مرجعية مختلفة جمعت بين الغربي المعاصر والعربي المعاصر، واقصد المدونات النقدية العربية القديمة، الاستاذ الغانمي استطاع ان يأخذ عنهم منهجيات مهمة ويطوعها لمنطقة المألوف، وفق المفهوم الذي طرحه ادوارد سعيد حول خرق المألوف في القواعد الثابتة، وهذا ماجعله بمنهج تطويري وتنوريري. وقد قلت له ان منهجه الاركولوجي في البحث والتنقيب بمثابة اكتشاف لمخزونات ثقافتنا العربية وما فيها من معرفة هائلة وكنوز، لم نسلط الضوء عليها ولاسيما كتابات مفكرنا جواد علي، وسعيد الغانمي اتخذه مرجعا مهما ، اولى كتابات الغانمي كانت تبشر بعقلية نقدية هائلة «. كان لابد ان يكون للضيف سعيد الغانمي تعقيب عن ما طرح من قبل الأساتذة المشاركين في الحديث عنه، وتنويه عن جائزة الشيخ زايد، إذ أشار الباحث الضيف الى ان الجائزة تمثل إضافة له لاسيما وهي جائزة عالمية يشارك بها من جميع دول العالم من ادباء وباحثين،» في فرع الفنون والآداب، حصلت على جائزة الشيخ زايد، عن كتابي ( فاعلية الخيال الادبي)، فكانت فوزا لي وللعراق، الذي حرصنا ان يكون في قلوبنا وعلى اوراقنا أينما حللنا .».
الجدير بالذكر ان هذه الدورة تميزت بمواضيع الإنجازات الإبداعية الفائزة للدورة من حيث معالجتها القضايا الملحة التي نعايشها في وقتنا الراهن كالمواطنة والنص الديني والفلسفة العربية والتكنولوجيا والإرهاب، فالفائزون استحقوا الفوز عن جدارة لما لأعمالهم من أثر مهم في الارتقاء بالثقافة والحياة الاجتماعية العربية.
كما شارك عدد من النقاد في الحديث عن الاستاذ الغانمي منهم الناقد علي حسن الفواز، لتختتم الجلسة بشهادة تقديرية قدمها له الناقد فاضل ثامر، ودرع الجواهري الذي قدمه للضيف الاستاذ ناجح المعموري رئيس اتحاد الادباء وسط مباركة الحضور من الاصدقاء والادباء.