من بين الأعراف التي ترسخت منذ عدة عقود، الاهداءات بين الكتاب، أي الاهداء الذي يضعه المؤلف بخط يده على الصفحة الأولى من مطبوعه الجديد ويقدمه (في العادة) لأصدقائه بصورة عامة ، وحبيبته بصورة خاصة ، ، وليس هناك تحديد لنوع المطبوع او الكتاب ، فقد يكون ديوان شعر او رواية او مجموعة قصصية ، او مطبوعاً في الفلسفة او الاعلام او الطب او السياسة او السيرة الذاتية ..الخ
لو استعرضنا هوية تلك الاهداءات وقرأناها قراءة بحثية سنكتشف انها عدة أنواع، لعل اكثرها ذيوعاً ، واشهرها بلا منافس ، وتصل نسبتها الى 80% هي القائمة على قدر كبير من المجاملة المفرطة ،على غرار ( القاص المبدع فلان الفلاني – او – شاعر العاطفة والعذوبة والكلمة الرقيقة فلان الفلاني – او – أستاذ الأجيال المفكر العبقري فلان الفلاني) الى اخر مئات ( التعابير الفخمة) والمدائح المجانية .. وهنا يجب ملاحظة أمرين، أولهما ان هذه الاهداءات لاتمثل بأية صورة من الصور (احكاماً نقدية) او (شهادات) لصالح الطرف الاخر، ولايعتد بها من الناحية العلمية، ولكنها في الوقت نفسه تمتلك مشروعيتها لانها (هدية)، ومن تقاليد الهدايا ان تتسم بأدب المجاملات الرفيع، حيث لا فرق بين علبة الحلويات مثلاً وبين الكتاب عندما يتم تقديمها بصفة هدية!
هناك اهداءات (تقليدية) لا تعتمد او لا تعنى بتلك (الفخفخة) او المدائح المجانية، انها هادئة وبسيطة وتؤدي الغرض مثل (الأخ الكريم فلان الفلاني مع التقدير – او – الصديق العزيز فلان الفلاني مع المحبة) …الخ، ومن أساليب الاهداء، أسلوب يبتعد تماماً عن المجاملات والتعابير التقليدية ويتبنى إيصال فكرة ما .. بين يدي مسرحية للكاتب احمد جمعة تحت عنوان (فنجان قهوة للرئيس) مهداة الى فنان الشعب الراحل يوسف العاني – حصلت على هذا الكتاب مصادفة – حيث نقرأ الاهداء التالي بخط اليد وبتاريخ 2/2/1984 (الأستاذ الفنان يوسف العاني .. كل شيء قابل للمساومة ماعدا الحرف) ..
لا يصح عبور نوع نادر من الاهداءات، يحضرني منها ما أورده (بابلو نيرودا) في مذكراته، عن قيام احدهم بإصدار كتاب تصدره اهداء بهذا المعنى (الى أولاد الكلب النقاد الذين شتموني بقسوة) ، على ان اظرف ما يذكر هنا هو ما اقدم عليه الكاتب الساخر ( برناردشو ) عندما عثر على احد كتبه فوق الرصيف معروضاً للبيع وهو يحمل توقيعه واهداءه الى احد أصدقائه ، فأشتراه وارسله الى صديقه بعد ان كتب عليه : اهديك كتابي للمرة الثانية !!
حسن العاني