أحمد فضل شبلول
سُئلت عن حالة النقد العربي الآن، وهل هو في حاجة إلى مذاهب غربية؟
وكأن السؤال يقول هل الطب العربي بحاجة إلى الطب الغربي، لأننا نملك ابن النفيس وابن سينا والرازي وداود الأنطاكي وغيرهم؟ أو هل نحن بحاجة إلى علوم الفضاء لأننا كنا نملك علماء في الفلك والفيزياء والجغرافيا؟ أو هل نحن في حاجة إلى علوم الكمبيوتر لأننا اخترعنا الصفر كأحد أهم عناصر الأرقام، ولأن عالمنا الخوارزمي وضع علم الجبر؟
والآن يُطرح السؤال الجديد القديم: هل النقد العربي بحاجة إلى المذاهب الغربية؟
والإجابة: نعم .. النقد العربي بحاجة إلى ما توصلت إليه المدارس النقدية الغربية، شريطة القيام بالاختيار والانتقاء، لأنه ليس كل ما هو صالح لتطبيقه في الغرب يصلح تطبيقه لدينا، وليس صحيحا كل ما يفشل تطبيقه في الغرب يفشل تطبيقه عندنا، وإذا كان النقد عن طريق تفتيت بنية اللغة مرَّ على الغرب وقتلوه بحثا، وأصبح كالموضة التي انتهى موسمها، فليس شرطا ألا يكون هذا النقد غير صالح الآن لتطبيقه على إبداعاتنا، بل أن البعض يذهب إلى القول بأن هذا النقد عربي الأصل، وأن بضاعتنا رُدت إلينا، ولكن بعد أن لفظها الغرب من كثرة الاستعمال والاستخدام والتنظير.
وكل ما أود أن أقوله في هذا المقام هو أن النقد العربي الحالي بحاجة إلى الاطلاع على الدراسات والمذاهب النقدية الغربية، كما أنه بحاجة إلى الاطلاع على الدراسات العربية القديمة أيضا، كما أنه فضلا عن ذلك بحاجة إلى الوقوف والاطلاع على كل العلوم والمعارف الإنسانية التي أنتجها الإنسان، ثم عليه أن يبحث عن مدى تأثير العلوم الحديثة مثل علوم الفضاء وعلوم الكمبيوتر أو البرمجيات وغيرها على الإبداع الحالي، لأن الأديب وهو يبدع اليوم لا يصدر عن فراغ، فهو يحمل في لا شعوره كل قضايا الإنسان المصيرية مثل تأثير الإشعاع الذري على بيئة الإنسان، أو تأثير سباق التسلح النووي المحموم على عواطف الإنسان ومشاعره. أليس لفيروس كورونا المنتشر حاليا على مستوى العالم، تأثير كبير على إبداعاتنا؟ وهناك من ينادي بتقسيم الحقبة الإنسانية إلى ما قبل كورونا وما بعدها. وقالوا إن العالم ما بعد كورونا غير العالم ما قبل كورونا. فمن أين جاء كورونا؟ أليس هو سباقا من سباقات الأسلحة البيولوجية بين بعض الدول المتقدمة، وتحديدا بين أميركا والصين؟
هذا بالإضافة إلى كم متراكم من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والعاطفية أو النفسية الكبيرة أو الصغيرة التي يرصدها المبدع وتخرج أحيانا في صورة قصيدة أو قصة أو عمل روائي أو مسرحي، أو لوحة تشكيلية أو مقطوعة موسيقية، وغير ذلك من مجالات الإبداع.
والمتابع لحالة النقد العربي الآن، يجدها متراجعة لعدة أسباب من أهمها كثرة الأعمال الإبداعية التي تصدر يوميا سواء كانت في صورة ورقية أو في صورة إلكترونية، ومن الصعب بمكان متابعة كل هذه الأعمال وفرز الغث من الثمين. ومنها عدم إفراد المساحة المناسبة للمقالات النقدية في مجلاتنا الأدبية والثقافية، حتى المواقع الإلكترونية من بوابات ومدونات وغيرها، تنصح بعدد معين من الكلمات للمقالات والدراسات، ناهيك عن أن معظم ما ينشر الآن ورقيا وإلكترونيا هو بالمجان
. فلم يجد الناقد – وغيره من الكتاب والأدباء – المقابل المادي لما يكتبه وينشره في الصحف والمجلات الورقية والإلكترونية على السواء، مع ملاحظة أن الكل يتقاضى أجورا لقاء عملهم، بما فيهم ساعي المجلة أو الجريدة وعامل البوفيه وحارس المبنى، وكلب الحراسة (الذي يتكفلون بأكله وشربه) .. الخ، أما الكتاب والأدباء والنقاد، فبنود الميزانية لا تسمح – دائما – بذلك، مع أنه لولا وجود مقالات الكتاب – أيًّا كان نوعها – ما صدرت المجلة أو الجريدة.
وأعمّم القول أيضا على برامج كثيرة في الإذاعة والتلفزيون، التي لا تكافئ الكاتب أو الأديب أو الناقد عندما يُستضاف للحديث عن إصدار ما أو يُدلي برأيه في قضية ما، مع أن الكل يتقاضى أجورًا ومكافآت سواء المعد أو المخرج أو المصور أو حتى الساعي، عدا المتحدث الرئيسي الذي لولا وجوده وحديثه ما كان هناك برنامج من الأساس.
لم نبعد عن موضوع المقال، وهو «حالة النقد العربي الآن»، فعدم وجود المقابل النقدي والتقدير المادي لما يبذله الناقد من قراءات وكتابات وتفكير وتفاعل وتمضية وقت مستقطع من يومه أو أسبوعه، مع العمل الأدبي الذي يقرأه، قد لا يشجعه على المضي في طريق النقد، فربما تكون هناك أعمال أخرى تدر عليه دخلا ما.
أما النقد العربي الأكاديمي فهو أيضا في حالة حرجة، لأنه من ناحية لا يتابع الجديد الذي يظهر على الساحة كل يوم، ومن ناحية أخرى معظمه – وخاصة في الرسائل الجامعية من ماجستير ودكتوراه – يحصر نفسه في بحث ودراسة قضايا ومواقف في تراثنا العربي بحثت كثيرا من قبل، وانتهينا منها. وبعض الجامعات تقر بأنه لا بد أن يكون الكاتب أو الأديب المبحوث قد توفي ليكون مشروعه الأدبي والكتابي قد اكتمل – بموته – فيبدأوا البحث في ملامح هذا المشروع بعد رحيل صاحبه.
ولعل من أهم القضايا التي نراها الآن مطروحة على الساحة النقدية العربية – وخاصة الأكاديمية – هي قضية السرقات العلمية، وهي قضايا يندى لها الجبين، حيث يحصل الطالب أو الطالبة على درجة الماجستير أو درجة الدكتوراه بأبحاث مسروقة ومنقولة بكاملها من رسائل أخرى، وتمر على المشرف والمناقشين دون ملاحظتهم لهذا العبث. والمشكلة المستقبلية لهذه السرقات، أن السارق – إذا لم يكتشف أمره – سيشرف هو في يوم من الأيام على رسائل علمية قادمة لطلابه، فماذا سيكون موقفه حيالها؟
أما ما يسمى بالنقد الصحفي فهو أيضا غير مؤهل لمتابعة جميع الإصدارات الأدبية والكتابة عنها، حتى لو كانت الكتابة مجرد خبر بسيط، وبعض الكتاب الصحفيين يعتمد على المادة التي تصله من المؤلف نفسه التي كتبها عن عمله وبطبيعة الحال يشيد بهذا العمل وبفتوحاته وعبقريته، فيأخذ الكاتب الصحفي ما كتبه المؤلف عن عمله، فيضع عليه اسمه ويرسله للنشر دون قراءة العمل نفسه.
- عن ميدل أيست أون لاين