باسكال صوما*
تُطلب منا كل يوم مهمة صعبة ونحن نكتب عن المشهد السياسي في لبنان، مهمة أن نحيد عن اللعنات والشتائم، ونحن نكتب يوميات الانتفاضة اللبنانية في ظل سلطة وقحة، تدخل إلى البرلمان دهساً على أجساد المتظاهرين لمنح الثقة لوزراء يشتمهم الشارع.
تُطلب منا كل يوم مهمة صعبة ونحن نكتب عن المشهد السياسي في لبنان، مهمة أن نحيد عن اللعنات والشتائم، ونحن نكتب يوميات الانتفاضة اللبنانية في ظل سلطة وقحة، تدخل إلى البرلمان دهساً على أجساد المتظاهرين لمنح الثقة لوزراء يشتمهم الشارع. إنها مهمة صعبة بصراحة! لكننا نحاول تقصي اللغة بحثاً عن عبارات لائقة، فيما يطل بين ساعة وأخرى مراسل تلفزيوني جديد يتبرّأ من «التعابير البذيئة» التي يطلقها الناس. يتولى مراسلون كثيرون مهمة شرطة الآداب اللفظية في الشارع. وهي مهمة مضجرة بصراحة، فالشارع ليس مضطراً مثلنا إلى تقصي اللغة وتمحيصها لإيجاد تعابير محترمة لشتم دولته.
يقول زميلي في المكتب: «لا تكتبين إلا عن جبران باسيل، اكتبي عن القوات!». يحتدّ حوارنا قليلاً، ثم أفكّر، جبران يحرّضني على الكتابة بطريقة لا توصف. وها هو اليوم يطلّ من المجلس النيابي في جلسة الثقة للحكومة الجديدة، وقد عيّن نفسه مرشداً أعلى على مصائرنا. ينصح النائب والوزير السابق جبران باسيل الحكومة الجديدة ويقدّم لها توجيهات صارمة في عملها، وكأنه الناجح المتفوّق الذي يحق له التنظير على الأجيال الصاعدة من الوزراء المحترمين. يخبرنا عن وسائل لحل الأزمة المالية والمصرفية، فيما أمرّ قرب مصرف يتجمهر أمامه عشرات الفقراء بانتظار دورهم. يخبرنا عن الكهرباء وكيف يمكن تأمينها فيما أمضى مع رفاقه فيها أكثر من عشر سنوات، ولم يؤمنوا أي شيء.
وقبله عرض لنا رئيس الحكومة الجديد حسان دياب بيانه الوزاري على «باور بوينت» في البرلمان. ويبدو أنه تعب في التحضير. في الأثناء أتّصل على الـ 112 لأسأل إن كانت الطريق إلى بيروت سالكة، إذ كانت مقفلة لأيام بسبب حدث استثنائي هذا العام، الثلوج!
وقبله أيضاً أبلغنا رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّه كان داعماً لـ»الحراك» الحقيقي، ولكن… ولكن ماذا؟ أصبح الآن حراكاً مشبوهاً… تريد سلطتنا الغراء حراكاً على قياسها، أقصى طموحه وقفة احتجاجية أمام مصرف.
عمري سيناهز الـ 29 سنة يا أستاذ نبيه، ومذ كان عمري أشهراً وأنت ترأس هذا المجلس، حتى أن قريبة لي وهي في الثالثة عشرة سألتني قبل أيام إن كان رئيس مجلس النواب يبقى في منصبه مدى الحياة.
قال البعض إن نواب «الحزب الاشتراكي» هم الذين أكملوا النصاب، وآخرون يقولون إنهم نواب «حزب القوات» و»تيار المستقبل». لكنّ الحقيقة المؤكدة أن كل من دخل المجلس اليوم ساهم في منح النصاب القانوني لجلسة منح الثقة للحكومة. وفي كل حال، من شكل هذه الحكومة حسب جيداً حساب هذا اليوم المشؤوم، وكان واثقاً من نفسه لدرجة منح القوى الأمنية الضوء الأخضر في ضرب الناس واعتقالهم حين نزلوا محاولين منع هذه المهزلة، عبر إقفال مداخل مجلس النواب بأجسادهم.
أبلغنا رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّه كان داعماً لـ»الحراك» الحقيقي، ولكن… ولكن ماذا؟ أصبح الآن حراكاً مشبوهاً…
«التيار الوطني الحر» انشغل أنصاره بنشر صورة للنائبة ستريدا جعجع مقارنين بين فستانها والبرداية، ويتخلل الأمر بين حين وآخر حلقات تبجيل بـ»رينجر» العسكر والقائد المفدّى الرئيس ميشال عون. ومثلهم فعلوا أنصار الأحزاب والتيارات الأخرى، جلسوا في بيوتهم وقالوا عن المتظاهرين الشرفاء، زعراناً. وهكذا.
اختبأ النواب والوزراء خلف الجدران العازلة، بعدما دهسوا بسياراتهم الناس، واقتحموا مجلس الشعب رغماً عن الشعب.
في طريق العودة من مكتبي، شاهدت عنصرين من قوى الأمن يمسكان بشاب مسكين، يبدو أنهما قررا اعتقاله، فيما كان حسان دياب يعظنا عن حماية الحريات العامة والحق في التظاهر.
إنه يوم حزين ومؤسف، أنهيه بمقال تعبت كثيراً حتى أجعله خالياً من الشتائم، والسلام.
- صحافية لبنانية
عن موقع درج