لقمان عبد الرحيم الفيلي
من الطبيعي للبلدانِ انً تواجه محنا او انتكاسات مختلفة مثلما نواجه في العراق، وعندما تنتهي من محنة معينة تحاول ان تراجع أداءها في كيفية تعاطيها مع المِحنة وتشخيص مكامن الخلل الذي سبب المِحنة ومكامن القوة التي ساعدتها على تجاوزها. وفِي الاعم الأغلب تحصل مراجعات، من قبل مسؤولين تشريعيين وتنفيذيين وقضائيين، وتحدد فيها الجهات (جماعة وأفراد ومؤسسات) التي لم تلعب دورها في معالجة او ردع الخلل الذي أدى الى الانتكاسة وعليه تحاسب المقصر ومن جانب اخر تكافئ الذين احسنوا الاداء.
ولعل من اهم أهداف هكذا مراجعات هي لتشخيص مكامن المسؤولية والمساءلة للتعلم من الدرس القاسي ومحاسبة المعنيين تبعاً لإحقاق الحق والعدالة ومحاسبة المقصرين مع إعطاء دروس لباقي المسؤولين مفادها بأن المسؤولية شرف ومحاسبة وليس فقط منح صلاحيات وامكانيات وذلك لعلمهم انه لا يمكن ان تبنى الدول من دون محاسبة ومساءلة.
وتستخدم مفردة «المسؤولية» في الغالب بشكل صحيح، اما «المساءلة» فهناك خطأ شائع في تفسيرها وفهم أبعادها، ولهاتين المفردتين معانٍ متميزة تفصل بينهما وبين أدوارهما في بيئة العمل وفي يوميات المواطن مع الدولة وفي كل مكان من الحياة. كما ان هناك اختلافا جوهرياً مهماً بين الاثنين، وغالبًا ما تُستخدم المساءلة والمسؤولية بالتبادل او الترادف ويمكن لسوء الاستخدام هذا أن يؤدي، من غير قصد، إلى إلقاء اللوم على طرف غير مسؤول، ويحدث ارتباكاً لا لزوم له ويؤدي إلى ضعف الأداء عند الطرف المعني بالمسؤولية.
دعونا ننظر الى المفردتين في أبسط أشكالهما، في المدرسة مثلاً كنا كطلاب مسؤولين عن إنجاز واجباتنا المدرسية في الوقت المحدد، درسنا وطبقنا ما طُلب منا القيام به من اساتذتنا، كنا نتدرب لنكون مسؤولين على امرنا، وهذا شيءٌ جيد. من ناحية ثانية، المعلمون كانوا مسؤولين عنا، كانت مهمتهم هي مساعدتنا في تعلم كيفية تفكيك الحروف الأبجدية، أو تحويل الكلمات إلى جمل مفيدة، أو فهم أسباب أهمية الجبر والرياضيات في يوميات حياتنا. وهذا يعني وجود رؤية لمصممي المناهج الدراسية لما يدور حوله التعليم وكيفية الحفاظ على هذه الرؤية وتطويرها، ومن جهة أخرى، في حال وجود أي خلل جوهري في ادائنا، كفشل نسبة عالية من الطلبة في الامتحان، فالمفروض هنا ان يتحمل المعلمون ومدير المدرسة مسؤولية أداء تلاميذهم وفشلهم الكبير.
او قد تكون لديك وكالة حكومية او دائرة مسؤولة عن تقديم خدمات معينة للمواطنين، ففي حالة وجود خلل أو سوء تقديم لهذه الخدمات، فلا يمكن ان نقبل من مدير عام تلك الدائرة ان يلقي اللوم ويشير أصابع الاتهام تجاه المتعاقدين المستقلين المسؤولين عن تقديم هذه الخدمات والذين تعاقدت معهم الدولة لإتمام مهمة محددة ومن ثم نراه يبرئ مؤسسته من المسؤولية والمساءلة عن سوء الاداء. وعليه يكون من الطبيعي جداً طرح السؤالين التاليين: من المسؤول عن سوء الاداء؟ ومن الذي يجب مساءلته؟
لا يمكن الجمع بين المساءلة والمسؤولية عند الشخص او الطرف نفسه، على الرغم من أن هذين المصطلحين لهما بعض أوجه التشابه، إلا أن بعض الخصائص المميزة تفصل بينهما في مكان العمل. اذ يمكن تقاسم المسؤولية، ويمكنك العمل مع فريق من الناس لتقسيم المسؤوليات. من ناحية أخرى، المساءلة هي شيء يمكن أن يكون محددًا للفرد اعتمادًا على مجموعة مهاراته أو دوره أو مواطن قوته وسلطته. من جانب اخر، المسؤولية هي معنية بتوجيه الطاقات نحو مهمة محددة، بحيث يكون كل شخص في الفريق مسؤولاً عن مهمة معينة لإنجاز ما مطلوب منهم لإكمال المهمة المنشودة. المساءلة من جهة أخرى هي ما يواجه شخص محدد من مسؤولية بعد الانتهاء من العمل وإكماله. أي إنها الطريقة التي تستطيع ان تحدد المسؤول وتسيطر على نتاجات عمل دائرة مسؤوليته.
تركز المسؤولية على الأدوار المحددة مثل وصف الوظائف والاعمال التي يجب أن تكون موجودة لتحقيق الهدف، وعلى العكس من ذلك تلتزم المساءلة بالنجاح في إنجاز المهام الموكلة اليها مع الاستعداد لتحمل المسؤولية عن كل شيء يحدث كنتيجة للإجراءات التي تم اتخاذها من الطرف المسؤول.
عندما يُطرح سؤال حول ما هي المساءلة في مكان عمل معين؟ الجواب هو ان المساءلة هي أحد متطلبات القائد الفعال والمؤثر في مكان العمل، لأنه أخذ على نفسه زمام القيادة لضمان تحقيق المسؤوليات كما هو متوقع. وهذا يعني أنه يجب على القادة فهم التوقعات المطلوبة منهم بوضوح قبل تقديم الالتزامات للمواطنين والجمهور، وقد يتطلب ذلك ان القادة يكونون مستعدين للتخلي عن عقلية أتباعهم وتركيز جهودهم بطريقة مثمرة لضمان تحقيقهم للنتائج المطلوبة من الجمهور. اذ حتى خلال الأوقات الأكثر غموضاً، فإن القادة الحقيقيين يعدون أنفسهم مسؤولين عن النتائج.
وتعد المساءلة إحدى الطرق المهمة لبناء الثقة في مكان العمل او في علاقة المسؤول في الدولة والمواطن، اذ يثق الناس في القادة الذين لا يسارعون إلى إلقاء اللوم على الآخرين إذا لم تسر الأمور كما هو مخطط لها ولكنهم بدلاً من ذلك يتحملون مسؤولية دورهم في العواقب. ومن جانب اخر تستفيد المؤسسات الخاصة والحكومية من القادة المسؤولين لأنهم قادرون على تحديد المشكلات بسرعة والتوصل إلى حلول ممكنة بشأنها. وعندما يكون القادة مسؤولين عن نتاجات عملهم والإخفاقات المُحتملة فإنه سيخلقون سُنة حسنة لموظفيهم، اذ من المهم إظهار أمثلة للسلوكيات التي يجب على الموظفين اتباعها والاقتداء بها وبالتالي سيُمثل ذلك رصيداً لتلك المؤسسة وسيزيد من إنتاجيتها.
لنحاول الآن ان نطبق المفاهيم أعلاه على الحالة العراقية ومسؤولية السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية) في إدارة البلاد. اكيد هناك تطور في الأداء الديموقراطي او التشريعي او الحكومي او القضائي ولكن ايضاً هناك إخفاقات كثيرة وفرص ضائعة اكثر تجاه التعامل مع قضايا المواطن، يا ترى من عليه ان يُحاسب ويطلب مساءلته على سوء الخدمات او تعقيد فعالية طبيعية من حقوقه مثل الانتخابات، والتي شاهدنا فصولها قبل عام، الى ازمة شرعية او سياسية، فضلاً عن هدر الملايين من الدولارات نتيجة سوء التخطيط او الفساد المالي او سوء الادارة والذي رسخ مفهوم الفساد السياسي والمالي والاداري كما يشاع من أطراف الدولة المسؤولة نفسها؟
قيادات الشعوب لا تنزل من السماء بل هي صيرورة تطور الأداء الملموس للمسؤول على الأرض نتيجة تحمل المساءلة على أداء مؤسساتهم عند حدوث اخفاقات للأفراد الذين هم مسؤولون عليهم. لنميز بين المسؤولية والمساءلة لكي تتطور عندنا عملية بناء البلاد واعمارها، والا فالبلدان لا يمكن ان تبنى من دون القيادة التي تتطوع لتحمل مسؤولية ادائها.