بين وقت ووقت آخر يعلن نواب في المجلس الحالي (وكلٌ من موقعه الفئوي) الحرب المقدسة على العالم بقاراته الخمس، فيطال قصفهم، في النتيجة، دولا وأقاليم وانظمة، وشاءت ان تقع تحت نيران مدافعهم على دول مثل تركيا والكويت والسعودية وايران والبحرين والدانيمارك وجبل طارق واميركا وسوريا والاردن وقطر وليبيا كما تشمل خطط بعضهم الحربية اقليم كردستان ومناطق غرب العراق والبصرة والنجف وحتى أحياء في قلب العاصمة بغداد، وكأننا انتخبناهم، لا للرقابة وتشريع القوانين ومراقبة إداء الحكومة ومتابعة احوال ناخبيهم وحقوقهم في الخدمات وفرص العمل وحماية الحريات والكرامات والمواطنة (وهي واجباتهم الدستورية) بل لإرسال البلاد، المنهكة من الحروب والصراعات واعمال الارهاب، الى ميادين حروب جديدة، اكثر انهاكا وفظاعة من كل ما سبقها.
على اية حال، يمكن ان نبتلع هذه المهزلة في حالة واحدة هي ان نعد هذا البرلمان برلمان حرب، واننا شددنا الحزام على البطون وانتخبنا نوابه من بين المخططين الاستراتيجيين للحروب، وليس في هذا الامر غرابة او سابقة في التاريخ العراقي، فقبل خمسة الاف سنة، كما يذكر عالم السومريات صموئيل كرومر، التأم اول برلمان في التاريخ على ارض العراق القديم وقد كان هدفه اعلان الحرب طبقا لمشيئة الملك حمورابي..
اكرر: قبل خمسة آلاف سنة.
، إلا أن الآثاريين كشفوا عن شريعة سبقت شريعة حمورابي في الزمن بأكثر من مائة وخمسين سنة، وهي على هيئة قوانين بصدد تنظيم حروب الاجلاء والاستئصال أصدرها الملك (لبت ـ عشتار) الذي عدّ اول مشرع لقوانين الحرب بوصفها فروسية، او معبرا الى التفوق.
على انه منذ ان استدل المشرعون الاوائل الى «اختراع» تجربة البرلمان، كميدان لتبادل الرأي والمشورة وخبرة الحرب، فقد كان في بالهم إشراك الجمهور في ادارة الحكم، وكان هذا المعنى الاصلاحي المجرد قد دخل في اساس اول برلمان في العصر الحديث انشئ في جمهورية ايسلندة التي لم تكن لتفكر بالحرب مع احد، بل ولم تكن لتملك جيشا آنذاك.
نوابنا المغيرون على الدول يجهلون قوانين الحرب، واعتقد ان لهذا السبب تتجاهل الدول المعنية تهديداتهم وتتعامل معها كتمارين على الخطابة الجوفاء.. احدهم وقبل سنوات كان قد دعا الحكومة الى تزويد الجيش بمعدات استراتيجية (ربما يقصد ذرية) وتسليح العشائر والعاطلين عن العمل والمتقاعدين لخوض الحروب خارج الحدود، قـُدما حتى تحرير الاندلس.. تصوروا.
جوستاف لوبن- عالم الانثروبولوجيا الفرنسي:
«لا تحتاج الى اي ذكاء لتخدع نفسك، لكن تحتاج الى ذكاء كبير لتخدع سواك».
عبدالمنعم الأعسم