وداد إبراهيم
بغداد تُعَد من أهم المدن التي احتضنت المقاهي والتي كانت مكانًا اجتماعيًا وسياسيًا وثقافيًا. إذا ما تجولنا في مناطق كثيرة من بغداد، نجدها تُعرف بأسماء تلك المقاهي الشعبية. كانت العاصمة العراقية بغداد في القرن الماضي تعج بالمقاهي الثقافية التي وصل صداها إلى أغلب المدن العربية وحتى العالمية، لأنها كانت مكانًا للنقاش والمساجلات الشعرية والاعتراض على سياسات الحكومات العراقية السابقة. لذا كانت المكان الذي تُجرى فيه النقاشات وتقال فيه أجمل القصائد. ولم ترتبط المقاهي بالأدباء والشعراء والمثقفين فقط، بل بكل الشخصيات الاجتماعية التي تحرص على التواجد في المقهى لبحث بعض المشاكل الاجتماعية التي تحدث في الأزقة والمحلة. بل هي ملتقى الأصدقاء بعيدًا عن خصوصية البيت. إضافة إلى أن المقاهي حصلت على هالة إعلامية كبيرة وباتت تمثل علامة دالة في بغداد بسبب ارتيادها من قبل كبار الشعراء العراقيين أمثال معروف الرصافي وجميل صدقي الزهاوي ومحمد مهدي الجواهري وغيرهم.
إلا أن هذه المقاهي بعد عام 2003 تعرضت إلى الإهمال وفقدت روادها من المثقفين والمبدعين وباتت مهددة بالاندثار. إلا أن المقاهي الحديثة تجدها تعج بشرائح اجتماعية عدة، وهي ليست بذات النكهة ولا ذات الحبور، وأصبحت تشبه الصالونات ولها نظام يختلف كل الاختلاف عن المقاهي البغدادية التي عُرفت في عموم شارع الرشيد والأعظمية والشواكة وشارع القشلة وغيرها من المناطق الشعبية. فيما اندثرت الكثير منها وصارت مجرد أسماء تُذكر في تاريخ بغداد. وفيما إذا التفتت إليها دائرة الآثار والتراث وجعلتها أماكن تراثية تستقبل الندوات الثقافية التي تخص المقاهي وأسماء الشخصيات التي كانت ترتادها، ونوع النقاشات التي كانت تُثار في تلك المقاهي، أو تكون أحد هذه الأبنية بما يشبه المتحف الخاص بمقاهي بغداد التراثية من أجل تسليط الضوء على العادات البغدادية التي كانت سائدة والتي تدل على مدى عمق الثقافة البغدادية وتطورها، بحيث تكون مكانًا أدبيًا وثقافيًا، وليس مكانًا يعج بالمدخنين والمدخنات ورائحة الأراكيل. لتكن المقاهي مكانًا يذكرنا بالعادات والتقاليد البغدادية وأهمية وجود المقهى في الأزقة أو الشوارع المهمة التي يرتادها كبار الشخصيات، لأنها مكان متعة وفائدة وقضاء وقت جيد مع الأصدقاء.