سمير خليل
في كل الأزمنة، كتب على السواد الأعظم منا اللهاث وراء وسائط النقل، حيث توثقت لدينا علاقة وثيقة بالكيا والكوستر يضاف اليها التكتك والستوتة.
هذه الوسائط التي نعيش معها وقتا طويلا من يومنا صارت جزءا مهما في حياتنا ” رغما عنا”، ورغم تقادم السنين على هذه الماكنات المتحركة فهي مازالت تقطع شوارع المدن وهي تحتضن تعبنا وهمومنا وفرحنا وترحنا.
ولعل هذه الوسائط المتنوعة تجمع في يومها نماذج مختلفة من انساننا المتعب والمثقل بهموم الحياة، فنحن نرى الطالب بجوار الكهل والكاسب والموظف والكاتب والعجائز وحواء الجميلة.
في أحايين كثيرة، وبعد أن يستقر الركاب في أماكنهم، وتنساب المركبة خببا في نهر الشارع، تبدأ حوارات بين الركاب بما يشبه المسرحية، مؤلفها ومخرجها وممثلها هو الراكب الذي يتسابق في حواراته مع الركاب الآخرين الذين يتحولون الى ممثلين أيضا.
وتتطابق هذه المسرحية مع عروض المسرحيات الجادة التي تطرح هموما وهواجس إنسانية مختلفة، وتتشابه من حيث وحدة الموضوع وقواعد أرسطو الدرامية. أما موضوع هذه المسرحية فهو مزيج من الهم والنقد واجترار آلالام على واقع معاش.
تتوزع الحوارات على مجسدي العرض ” الركاب”، فهذا يتناول الكهرباء والآخر يتناول الدولار وثالث يتحدث عن السوق، وأخرى تتحدث عن شظف العيش وعجوز تشكو جحود أولادها، وبين هذا وذاك يرفع أحد الركاب عقيرته بالغناء متباهيا بموهبته بغناء” المقام أو الأبوذية أو السويحلي” ، تتراتب مفردات الحوار مع انسياب المركبة وهي تنهب أمتار الطريق، وتتنوع حوارات المسرحية لتتناول السياسة والاقتصاد والعرب والامريكان والجشع والفساد والفقر.
وعندما يتصاعد الحوار ويزداد سخونة، ينبري أحد الركاب” الممثلين” لترطيب الأجواء بنكتة أو أقصوصة ليمنح الأجواء بعض السكينة والهدوء.
وبين تصاعد الحبكة الدرامية لمسرحية الشارع، هناك ممثل اختار الصمت والاستماع، وهو يغرد خارج السرب ولا يتكلم سوى بجملة واحدة خلال المسرحية هي” اجمعوا أجرة النقل رجاءً” . انه السائق الذي لا يهمه كم الانفعالات التي تضج بها مركبته، فلا يهمه منها سوى الأجرة، ولعله اعتاد مشاهدة هذه المسرحية عدة مرات في اليوم الواحد حتى سئم منها وتغلغل الملل الى نفسه.