الصباح الجديد – وكالات:
نزح أكثر من نصف مليون شخص وفق الأمم المتحدة جراء التصعيد العسكري لقوات النظام وحليفتها روسيا في شمال غرب سوريا، في واحدة من أكبر موجات النزوح منذ بدء النزاع الذي يقترب من اتمام عامه التاسع.
ومنذ كانون الأول/ديسمبر، تصعّد قوات النظام بدعم روسي حملتها على مناطق في إدلب وجوارها، تؤوي أكثر من ثلاثة ملايين شخص نصفهم نازحون، وتسيطر عليها هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وحلفاؤها، وتنتشر فيها فصائل معارضة أقل نفوذاً.
وقال المتحدث الإقليمي باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة ديفيد سوانسون لوكالة فرانس برس «منذ الأول من كانون الأول/ديسمبر، نحو 520 ألف شخص نزحوا من منازلهم، ثمانون في المئة منهم من النساء والأطفال».
وأوضح أن «أعمال العنف شبه اليومية لفترات طويلة أدت إلى معاناة مئات الآلاف من الناس، الذين يعيشون في المنطقة، بشكل لا مبرر له».
وشاهد مراسلو فرانس برس في الأيام الأخيرة قوافل من النازحين لدى مغادرتها مدناً وبلدات تتعرض للقصف أو تدور المعارك في محيطها باتجاه مناطق أكثر أمناً لا يشملها القصف.
وفي قرية حزانو الواقعة شمال مدينة إدلب، شاهد مراسل فرانس برس الثلاثاء عشرات السيارات والشاحنات الصغيرة التي تقلّ نازحين مع مقتنياتهم من آوان منزلية وخزانات مياه وأدوات كهربائية وفرش وأغطية شتوية وحتى محاصيل زراعية وأخشاب.
ويروي محمد بهجت العبده (34 سنة) لوكالة فرانس برس كيف اضطر إلى النزوح مع عائلته لمرات عدة خلال الأسبوع الأخير، هرباً من الغارات والمعارك المتركزة خصوصاً في محيط سراقب، المدينة التي تريد قوات النظام السيطرة عليها كونها تشكل نقطة التقاء بين طريقين دوليين استراتيجيين يربطان محافظات عدة.
ويقول محمد أثناء توجهه نحو الحدود التركية «حتى الآن لا نعرف إلى أين سنذهب (..) لا تعرف متى ستأتيك قذيفة أو صاروخ. الله المستعان». ويضيف من خلف مقود شاحنة تقلّ زوجته وأطفاله الثلاثة مع والديه وشقيقتيه، «خرجنا كلنا من تحت القصف، لا أمان اطلاقاً هناك، والخدمات من مياه وكهرباء صفر».
- نحو مناطق آمنة –
وتوجّه النازحون وفق الأمم المتحدة إلى مناطق لا يشملها القصف، خصوصاً المدن أو مخيمات النازحين قرب الحدود في شمال غرب إدلب، بينما انتقل عشرات الآلاف إلى مناطق عفرين وأعزاز في شمال محافظة حلب المجاورة، والتي تسيطر عليها فصائل سورية موالية لأنقرة.
وتعدّ موجة النزوح الأخيرة من بين الأكبر منذ اندلاع النزاع عام 2011. وهي وفق سوانسون «تفاقم الوضع الإنساني السيء أساساً على الأرض منذ نزوح أكثر من 400 ألف شخص منذ نهاية نيسان/أبريل حتى نهاية آب/أغسطس، وكثيرون منهم نزحوا لمرات عدة» جراء حملة عسكرية مماثلة لدمشق بدعم من موسكو في تلك الفترة.
ومنذ سيطرة الفصائل الجهادية والمقاتلة على كامل المحافظة عام 2015، تصعّد قوات النظام بدعم روسي قصفها للمحافظة أو تشنّ هجمات برية تحقق فيها تقدماً وتنتهي عادة بالتوصل الى اتفاقات هدنة ترعاها روسيا وتركيا، كان آخرها اتفاق جرى الإعلان عنه في التاسع من كانون الثاني/يناير لكنه لم يصمد سوى أيام.
وتمكّنت قوات النظام الأسبوع الماضي من السيطرة على مدينة معرة النعمان، ثاني أكبر مدن إدلب، بعدما نزح عشرات الآلاف من سكانها على مراحل. وتخوض حالياً معارك عنيفة قرب مدينة سراقب التي فرغت أيضاً من سكانها.
وتخوض قوات النظام، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، الثلاثاء معارك عنيفة ضد الفصائل المقاتلة في محيط سراقب وفي ريفي حلب الجنوبي والغربي. وتتزامن مع غارات روسية وسورية كثيفة على منطقة سراقب وقرى في محيط مدينة إدلب، ما تسبّب بحركة نزوح واسعة للمدنيين. - تصعيد تركي روسي –
وباتت قوات النظام على بعد ثمانية كيلومترات جنوب شرق مدينة إدلب، بعدما حققت الإثنين تقدماً غرب سراقب، التي تشكّل نقطة التقاء بين طريق دولي، يُعرف باسم «أم فايف» ويربط محافظة حلب بدمشق، وطريق استراتيجي ثان يُعرف باسم «أم فور»، يربط محافظتي حلب وإدلب باللاذقية غرباً. وترغب دمشق باستعادة السيطرة على أجزاء من الطريقين خارج سيطرتها.
وشهد محيط سراقب ليل الأحد الإثنين تصعيداً غير مسبوق بين القوات السورية والتركية، التي أدخلت تعزيزات عسكرية كبرى في الأيام الأخيرة إلى شمال غرب سوريا.
وأعلنت أنقرة الإثنين مقتل ستة من جنودها بالإضافة إلى ثلاثة مدنيين أتراك يعملون لصالحها، جراء قصف مدفعي لقوات النظام السوري. وردّت أنقرة سريعاً عبر استهداف مواقع للجيش السوري في إدلب ومحيطها.
ولم تعلن دمشق عن خسائر في صفوف قواتها، فيما أفاد المرصد عن مقتل 13 عنصراً من قوات النظام. ويُعد هذا التصعيد «المواجهة الأخطر» بين الطرفين منذ بدء التدخل التركي المباشر في سوريا منذ العام 2016، وفق المرصد.
وتخضع إدلب لاتفاقات تهدئة عدة بين موسكو الداعمة لدمشق وأنقرة الداعمة لفصائل المعارضة، تمّ التوصل إليها على مراحل في محادثات أستانا ثم في سوتشي.
وتسبب التصعيد منذ مطلع كانون الأول/ديسمبر بمقتل نحو 300 مدني، فيما أغلق 53 مرفقاً طبياً على الأقل أبوابه الشهر الماضي، وفق منظمة الصحة العالمية.
وبينما يقترب النزاع من اتمام عامه التاسع، باتت قوات النظام تسيطر على أكثر من سبعين في المئة من مساحة سوريا، كما تنتشر قواتها في مناطق سيطرة المقاتلين الأكراد في شمال شرق البلاد.
وإثر تقدمها الأخير في إدلب ومحيطها، تقترب من السيطرة على نحو نصف مساحة محافظة إدلب، المنطقة الأبرز التي لا تزال مع أجزاء من محافظتي حلب واللاذقية المجاورتين خارج سيطرتها