دينا خابايفا هي مؤلفة كتاب الاحتفال بموت الثقافة المعاصرة.
اتلانتا – ان فيلم الجوكر والذي تم عرضه مؤخرا يحكي قصة ارثر فليك وهو شخص وحيد ومختل عقليا يعمل كمهرج حفلات ويحاول ان يكون كوميدي محترف يقدم عروضا للجمهور ولكنه يتعرض للرفض والاذلال وبعد ذلك ينتقم من المجتمع بعد ان اصبح قاتلا بالاضافة الى تحريضه على اعمال الشغب “ضد الاغنياء”.
على الرغم من ان فيلم الجوكر فاز بجائزة الاسد الذهبي المرموقة كأفضل فيلم لهذا العام في مهرجان البندقية السينمائي فلقد انقسمت الاراء بشأنه . لقد أثنى الكثير من النقاد على الفيلم حيث جادلوا كما كان متوقعا بإن بطل الفيلم العنيف كان يقود ثورة ضد نظام قاس وظالم واضافوا ان الجوكر هو بطل مضطهد علما ان عنفه هو عبارة عن عمل شجاع للتعبير عن الذات .
هناك اخرون لديهم نظرة اقل ايجابية تجاه الشخصية الرئيسة في الفيلم حيث يشيرون الى جنونه وقسوته ونيته الشريرة وعلى عكس القاتل المتناقض راسكولنيكوف في رواية دوستوفسكي الجريمة والعقاب فإن الجوكر شخص مهووس بالانتقام حيث يستمر بارتكاب جرائمة بدم بارد وبدون الشعر بالمسؤولية أو الندم .
ان مخرج فيلم الجوكر تود فيليبس يشعر بالحيرة من “ازدواجية المعايير ” تجاه الفيلم وقال ” لقد رأيت مؤخرا فيلم جون ويك 3 وهو فيلم عن ذكر ابيض يقتل 300 شخص والجميع يضحكون ويصيحون ويصرخون ” واضاف ” لماذا يتم تطبيق معايير مختلفة في التعامل مع ذلك الفيلم وهذا بكل امانة لا يبدو منطقيا بالنسبة لي “.
السؤال الأهم هو هل يجوز ان تكون الشخصية الرئيسية شخص قاتل ومختل عقليا في فيلم ينتقد النظام الاجتماعي الحالي . صحيح ان من المؤكد ان الولايات المتحدة الأمريكية والتي تعاني من سوء التوزيع الشديد للثروة كما هو الحال في روسيا تحت حكم فلاديمير بوتين تحتاج لتغيير اجتماعي ولكن هل الجوكر وأمثاله والافلام التي تركّز على الوحوش القاتلة والعنف بدون قيود هي افضل وسيلة للترويج للعدل الإجتماعي ؟
لقد رفض كلا من فيلبس والممثل خواكين فينيكس والذي يلعب شخصية الجوكر في الفيلم هذه الانتقادات من خلال الاعتماد على الرأي المجازي السائد والذي ينظر للوحوش كضحايا الظلم حيث يقول فيلبس ان جرائمهم تنبع من ” فقدان الحب والتعرض للصدمات خلال مرحلة الطفولة وإنعدام التعاطف بالعالم “.
بالاضافة الى ذلك وكما اشار ديفيد سيمز في صحيفة اتلانتك : ” ان فيلم الجوكر لا يعتبر اول فيلم في التاريخ يكون فيه بطل الفيلم شخصية تثير القلق وتفتقد للصفات الاعتيادية للبطل . هناك العديد من الافلام والتي تصور الأموات الاحياء الذين يأكلون الدماغ أو مصاصي الدماء أو القتلة المتسلسلين والتي تمت الاشادة بها على اساس انها تنتقد الاستغلال الرأسمالي والامبرياليه الامريكية والاضطهاد القائم على نوع الجنس وشعور البشر بالتفوق على الاجناس الاخرى وهكذا دواليك وفي واقع الامر هل بقي اي وحش لم يتم النظر اليه كمرشح محتمل لنقل افكار ثوريه ؟”
ان فكرة ان وحش قاتل يمكن ان يرمز لمحتج أو شخص منبوذ يستحق التعاطف جاءت بالاصل من الفلاسفة الفرنسيين جيل دولوز وبيير فيليكس غوتاري . لقد تحدى دولوز وغوتاري تفسير رينيه جيرارد لجذور العنف غير العقلاني والكراهية ضد الاخر – الاقليات العرقية أو الدينية والتي تم شيطنتها او اعتبارها ضحية ” واعتبر دولوز وغوتاري ان مفهوم الآخر المختلف يمتد الى مصاص الدماء .
إن هذا يمهد الطريق لتحول نموذجي في فهم الوحوش القاتلة على انهم الاخر مما يعني انه على نحو متزايد اصبح هناك تركيز على مثل تلك الشخصيات الرئيسة لغايات الاهتمام الاكاديمي والنقد الثقافي والثقافة الشعبية نفسها.
ان هذا الهوس “بالتعاطف” تجاه مرتكبي العنف الشديد هو متجذر في التحول الايدولوجي في السلوك تجاه البشر.ان هذا التحول يعكس تأثير النقد الراديكالي للبشرية ورفض تفوق العنصر البشري وهي مفاهيم عبّرت عنها بشكل رئيس حركة حقوق الحيوان وانصار التطور الانساني وما بعد الانسانية في الثقافة الشعبية منذ التسعينات من القرن الماضي (والتي اناقشها في كتابي “الاحتفال بموت الثقافة المعاصرة”) ومن خلال إضفاء الشرعية على شيء يجب ان ينظر اليه على انه ترفيه متدني ، سرعان ما أصبحت القصص التي تجّمل العنف التي ترتكبه الوحوش المثالية ضد الشخصيات الإنسانية سلعة مطلوبة للغاية.
كمهرج حفلات ويحاول ان يكون كوميدي محترف يقدم عروضا للجمهور ولكنه يتعرض للرفض والاذلال وبعد ذلك ينتقم من المجتمع بعد ان اصبح قاتلا بالاضافة الى تحريضه على اعمال الشغب “ضد الاغنياء”.
على الرغم من ان فيلم الجوكر فاز بجائزة الاسد الذهبي المرموقة كأفضل فيلم لهذا العام في مهرجان البندقية السينمائي فلقد انقسمت الاراء بشأنه . لقد أثنى الكثير من النقاد على الفيلم حيث جادلوا كما كان متوقعا بإن بطل الفيلم العنيف كان يقود ثورة ضد نظام قاس وظالم واضافوا ان الجوكر هو بطل مضطهد علما ان عنفه هو عبارة عن عمل شجاع للتعبير عن الذات .
هناك اخرون لديهم نظرة اقل ايجابية تجاه الشخصية الرئيسة في الفيلم حيث يشيرون الى جنونه وقسوته ونيته الشريرة وعلى عكس القاتل المتناقض راسكولنيكوف في رواية دوستوفسكي الجريمة والعقاب فإن الجوكر شخص مهووس بالانتقام حيث يستمر بارتكاب جرائمة بدم بارد وبدون الشعر بالمسؤولية أو الندم .
ان مخرج فيلم الجوكر تود فيليبس يشعر بالحيرة من “ازدواجية المعايير ” تجاه الفيلم وقال ” لقد رأيت مؤخرا فيلم جون ويك 3 وهو فيلم عن ذكر ابيض يقتل 300 شخص والجميع يضحكون ويصيحون ويصرخون ” واضاف ” لماذا يتم تطبيق معايير مختلفة في التعامل مع ذلك الفيلم وهذا بكل امانة لا يبدو منطقيا بالنسبة لي “.
السؤال الأهم هو هل يجوز ان تكون الشخصية الرئيسية شخص قاتل ومختل عقليا في فيلم ينتقد النظام الاجتماعي الحالي . صحيح ان من المؤكد ان الولايات المتحدة الأمريكية والتي تعاني من سوء التوزيع الشديد للثروة كما هو الحال في روسيا تحت حكم فلاديمير بوتين تحتاج لتغيير اجتماعي ولكن هل الجوكر وأمثاله والافلام التي تركّز على الوحوش القاتلة والعنف بدون قيود هي افضل وسيلة للترويج للعدل الإجتماعي ؟
لقد رفض كلا من فيلبس والممثل خواكين فينيكس والذي يلعب شخصية الجوكر في الفيلم هذه الانتقادات من خلال الاعتماد على الرأي المجازي السائد والذي ينظر للوحوش كضحايا الظلم حيث يقول فيلبس ان جرائمهم تنبع من ” فقدان الحب والتعرض للصدمات خلال مرحلة الطفولة وإنعدام التعاطف بالعالم “.
بالاضافة الى ذلك وكما اشار ديفيد سيمز في صحيفة اتلانتك : ” ان فيلم الجوكر لا يعتبر اول فيلم في التاريخ يكون فيه بطل الفيلم شخصية تثير القلق وتفتقد للصفات الاعتيادية للبطل . هناك العديد من الافلام والتي تصور الأموات الاحياء الذين يأكلون الدماغ أو مصاصي الدماء أو القتلة المتسلسلين والتي تمت الاشادة بها على اساس انها تنتقد الاستغلال الرأسمالي والامبرياليه الامريكية والاضطهاد القائم على نوع الجنس وشعور البشر بالتفوق على الاجناس الاخرى وهكذا دواليك وفي واقع الامر هل بقي اي وحش لم يتم النظر اليه كمرشح محتمل لنقل افكار ثوريه ؟”
ان فكرة ان وحش قاتل يمكن ان يرمز لمحتج أو شخص منبوذ يستحق التعاطف جاءت بالاصل من الفلاسفة الفرنسيين جيل دولوز وبيير فيليكس غوتاري . لقد تحدى دولوز وغوتاري تفسير رينيه جيرارد لجذور العنف غير العقلاني والكراهية ضد الاخر – الاقليات العرقية أو الدينية والتي تم شيطنتها او اعتبارها ضحية ” واعتبر دولوز وغوتاري ان مفهوم الآخر المختلف يمتد الى مصاص الدماء .
إن هذا يمهد الطريق لتحول نموذجي في فهم الوحوش القاتلة على انهم الاخر مما يعني انه على نحو متزايد اصبح هناك تركيز على مثل تلك الشخصيات الرئيسة لغايات الاهتمام الاكاديمي والنقد الثقافي والثقافة الشعبية نفسها.
ان هذا الهوس “بالتعاطف” تجاه مرتكبي العنف الشديد هو متجذر في التحول الايدولوجي في السلوك تجاه البشر.ان هذا التحول يعكس تأثير النقد الراديكالي للبشرية ورفض تفوق العنصر البشري وهي مفاهيم عبّرت عنها بشكل رئيس حركة حقوق الحيوان وانصار التطور الانساني وما بعد الانسانية في الثقافة الشعبية منذ التسعينات من القرن الماضي (والتي اناقشها في كتابي “الاحتفال بموت الثقافة المعاصرة”) ومن خلال إضفاء الشرعية على شيء يجب ان ينظر اليه على انه ترفيه متدني ، سرعان ما أصبحت القصص التي تجّمل العنف التي ترتكبه الوحوش المثالية ضد الشخصيات الإنسانية سلعة مطلوبة للغاية.
ما هي الابعاد الاجتماعية والسياسية لهذا التطبيع للفوضى في الثقافة الشعبية ؟ لقد وصفت ستيفاني زاخريك في مجلة تايم فيلم الجوكر على انه ممارسة تعكس تمجيد العدمية بحيث تلهم الشخصية الرئيسة الفوضى علما ان من المؤكد ان الفيلم قد اثار جدلا جديدا عن العلاقة بين العنف الخيالي والعنف على ارض الواقع .
قبل عرض فيلم الجوكر أصدرت عائلات ضحايا إطلاق النار الجماعي في اورورا في ولاية كولورادو سنة 2012 رسالة تعبر فيها عن قلقها بسبب الانتهاكات الفظيعة التي تم تصويرها في الفيلم ونظرا لإن اطلاق النار في اورورا حصل خلال عرض فيلم اخر من انتاج شركة وارنر برذرز للافلام ( نهوض فارس الظلام )،فإن الرسالة اجبرت الاستوديو وفيلبس وفونيكس على التعامل مع اعتراضات العائلات .
بينما نصح بيان شركة وارنر برذرز وبدون خجل الناس ان لا يخلطوا بين الحقيقة والخيال ، لخص رد فينيكس التغيرات في الثقافة الشعبية في العقود الاخيرة وقال : “ انا لا اعتقد ان مسؤولية صانع الافلام ان يقوم بتعليم الجمهور الاخلاق او الفرق بين الصح والخطأ”.
لكن لو كان فيلم الجوكر هو دعوة للتغيير الاجتماعي فإذن هو في نهاية المطاف يتعلق بمعرفة الصح من الخطأ- من الناحية الاخلاقية ومن وجهة نظر العدالة الاجتماعية.
ان زاخريك في مجلة تايم رصدت التناقض الواضح في صورة الجوكر حيث تسألت زاخريك “ ما اذا كان الجوكر شخص شرير او ناطق بإسم المضطهدين “ وأضافت “ان الفيلم يريد ان يحقق الاثنين معا وان طرح الفيلم المتناقض ينطوي على محاولة للخداع “ ولقد اتفق معها سيمز في صحيفة ذا اتلانتك وقال ان فيلبس “ يضع الجوكر كشخص يفتقد للصفات الاعتيادية للبطل وشخصية شريرة ولكن مع ذلك يصبح الصورة الرمزية للعدالة الشعبية ضمن الفيلم “.
لكن لم يستطع اي من هولاء النقاد توضيح طبيعة ذلك الخداع فالجوكر هو رجل مجنون يقوم باعماله العنيفة على نحو يثير الاشمئزاز على سبيل التسلية وليس من اجل الدعوة للثورة او التغيير الاجتماعي وعوضا عن الهام جمهور الفيلم للاحتجاج ضد الظلم الاجتماعي فإن الفيلم يقدم بشكل تجاري معاداة الانسانية التي تدحض بشكل جذري القيمة الاستثنائية لحياة الانسان والحرية الديمقراطية .
على الرغم من ان زاخريك كانت محقة تماما بأن “ الأفلام لا تتسبب بالعنف” إلا انها قد تشكل افكارنا عن ما هو مسموح فبعد كل ذلك كيف يمكن للعنف الموجود على الشاشة أن لا يؤثر على القيمة المفهومة للحياة البشرية
والكرامة الانسانية ؟
بالإضافة الى ذلك لو كانت الثقافة غير مفصولة عن السياسة كما يعتقد فينيكس فإن تطبيع الفوضى في الثقافة الشعبية يمكن ان يؤدي وعلى نطاق واسع الى تجاهل التمييز بين الصح والخطأ في الحياة العامة. إن من المؤكد انه يتوجب علينا ان نسأل الى أي مدى هذا التجاهل والذي يتم الترويج له كعقيدة مهنية في عالم التسلية كان له تأثير في سلوك رجل الاستعراضات الذي يحتل البيت الابيض حاليا .