كشفت التسريبات الاخيرة لمقاطع الفيديو التي تظهر متهمين ومعتقلين لدى الاجهزة الامنية في النجف والبصرة عن مدى الاستهانة بالمعايير المهنية والاخلاقية التي تؤطر وظيفة الاعلام وفي الوقت نفسه مثلت هذه التسريبات استخفافا واضحا بالالتزامات القانونية في مسارات التحقيق مع المتهمين وفي كلا الحالتين تبدو الحاجة ملحة لتعميق مستويات الوعي الامني لدى افراد الأجهزة الامنية عامة ولدى العاملين في مكاتب الإعلام للوزارات الأمنية خاصة وغير خاف على احد الاهمية القصوى التي تمثله اليوم وسائل التواصل الاجتماعي وقدرتها اللامحدودة في التأثير في الراي العام وفوريتها في نقل الاخبار الى الجمهور من دون اية عوائق تقنية ومن دون وجود منظومة قانونية ورقابية تحد من تدفق محتواها او تتفحص في مضامينها في ظل أجواء الحريات العامة التي يعيشها العراق منذ 2003 ..وفي ظل العدد الكبير من منابر العلام .. ان العمل في ادارة المكاتب الإعلامية لدى الاجهزة الامنية يتطلب حرفية عالية في توظيف الادوات لنشر المعلومات وفي الوقت نفسه يتطلب تبصرا بما هو محذور ووعيا سياسيا واجتماعيا يأخذ بنظر الاعتبار طبيعة النظام السياسي في العراق ووجود قوى ضاغطة وفاعلة تؤثر في مسارات السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية وفي مقدمتها المرجعيات الدينية والاعراف والتقاليد العشائرية التي تتحكم في اوضاع مختلفة وفي ازمنة وامكنة معينة بمسارات تطبيق القوانين.
وان عدم الالتفات لهذه المحددات يخلق مشكلات كثيرة للدولة العراقية ويضع مؤسساتها في حرج كبير ومن هنا فان العمل على ايجاد آليات للتنسيق الحكومي والالتزام بالتوجيهات والسياقات الادارية الصادرة من اعلى هرم الوزارات الامنية كفيل بمنع اية خروقات في العمل الامني قد تسهم في اوقات محددة في صنع الفوضى وتشكك في امانة ونزاهة العاملين في هذه الوزارات.
وان التداعيات المثيرة التي اعقبت نشر بعض مقاطع الفيديو لبعض المتهمين وتسريبها من قيل بعض منتسبي الاجهزة الامنية يتطلب مراجعة سريعة للسياقات المهنية ومحاسبة المقصرين في هذا العمل ويحتم المراجعة واعادة تقييم للقدرات والمهارات التي يتمتع بها العاملون في مكاتب العلاقات العامة والاعلام الذين يضطلعون بادوار متعددة للدفاع عن مؤسساتهم وتعريف الرأي العام بحقائق الاحداث وعكس الجهود والانجازات في ملف الامن ومن المهم جدا ان يتم ذلك بالتنسيق مع الادارات المحلية للمحافظات المتمثلة بالمحافظين ومجالس المحافظات وبما يضمن عدم وجود تعارض واختلاف في وجهات النظر في قضايا امنية حساسة تتطلب حسما سريعا وتطمينا للرأي العام وحفظا والتزاما بالمعايير القانونية والاخلاقية في التعامل مع المتهمين الذين صدرت بحقهم قرارات قضائية ومن أجل تحقيق ذلك لايد من تنظيم دورات تأهيلية وورش عمل تتناول مفاهيم الاعلام والتدفق الاخباري والعلاقة بين القانون والاعلام والتعريف بالاعلام الأمني بمشاركة خبراء ومختصين واكاديميين قادرين على تطوير مهارات العاملين في هذا الملف المهم من الضباط والمراتب.
د. علي شمخي