مكافحة الفساد.. «لا يصلح العطار ما أفسد الدهر»

مخاوف من تحوّلها إلى دعاية انتخابية:
مصطفى حبيب

أصبح الفساد الشغل الشاغل للعراقيين هذه الأيام، فهناك بيانات وتصريحات حكومية يومية عن ملاحقة فاسدين واستجوابات وزراء في البرلمان فيما يزداد عدد الأحزاب التي تعلن تضامنها ضد الفساد لكن القضية لا تبدو سهلة.
وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إن الحرب على الفساد في العراق قد تكون أصعب من الحرب ضد تنظيم «داعش»، وهو محق في ذلك، فالفساد الذي ينخر مفاصل الدولة طيلة العقد الماضي وتورطت فيه غالبية القوى السياسية المشاركة في الحكومة والبرلمان لن يكون من السهل كبح جماحه.
وبالتناغم مع خطوات الحكومة، بدأ البرلمان حملة استجوابات نيابية تشمل وزراء ومسؤولين كباراً يتوقع ان تكون حامية وستفرز صراعات او تسويات جديدة بين الكتل الأساسية قد تحوّل مسار الاستجوابات في محاربة الفساد نحو تحالفات جديدة.
فالعملية السياسية التي بنيت في البلاد بعد العام 2003 وفق نظام المحاصصة الطائفية تتجسد في توزيع المناصب الحكومية على الأحزاب العراقية وفق نظام دقيق يرتكز في الواقع على مبدأين، الأول حجم القوة التي يمنحها كل منصب، والثاني قيمة الموارد المالية التي تدرها المناصب.
كل حزب مشارك في السلطة اليوم يمتلك ما يعرف بـ»مكتب اقتصادي» وظيفته جمع الأموال لصالح الحزب عبر المناصب الحكومية التي يشغلها أعضاء الحزب أنفسهم، ومن مهامهم التنسيق وعقد الصفقات خلف الكواليس لتقاسم المقاولات والاستثمارات مع الأحزاب الأخرى، وفقا لمسؤول كبير في الحكومة.
ويكشف المسؤول الذي طلب عدم الإشارة إلى اسمه لعدم تخويله بالتصريح لـ»نقاش» أن «الحملة الحكومية ضد الفساد تستهدف ثلاثة ملفات أساسية، الأول استعادة الأموال المهربة الى خارج البلاد خلال السنوات الماضية وتقدر قيمتها بنحو (100) مليار دولار».
وقال ان العملية ستتم «عبر إصدار مذكرات إلقاء قبض بحق العديد من المتهمين ومفاتحة الدول لتسهيل إلقاء القبض على الشخصيات المتهمة، والثاني العقود والمشاريع الفاشلة والتي يقدر عددها بأكثر من (6028) مشروعا كلّفت الدولة نحو (250) مليار دولار، والثالث مزاد بيع العملة الذي يقيمه البنك المركزي إذ تحوم حوله شبهات فساد تورطت فيها احزاب وشخصيات سياسية نافذة».
ويضيف أن «الأحزاب العراقية تتصارع أمام الإعلام حول ملفات سياسية وأمنية، ولكنها تبرم الصفقات المالية خلف الكواليس عبر هذه المكاتب، ومثلا فان مناصب وزارية في الحكومة الاتحادية وأخرى محلية في مجالس المحافظات تخضع للمزاد ويتم شراؤها بمبالغ مالية».
ويوضح هذا المسؤول وهو احد أعضاء اللجنة الحكومية العليا لمكافحة الفساد أن «عملية الفساد تتجاوز ذلك، فالمسؤول الذي يتسلم منصبا يتعهد بالعمل لتمويل حزبه من خلال موازنة الدولة، عبر منح عقود الاستثمار الى شركات تابعة لحزبه، وغالبية الأحزاب تقوم بذلك، ولهذا لا يجرأ احد على الشكوى ضد الفساد في وزارات لا تعود له خشية ان تقوم الأحزاب الأخرى بشكوى مقابلة».
هيئة النزاهة احد الأجهزة المكلفة بمكافحة الفساد، وتأسست بعد العام 2003، ولكنها تبدو عاجزة عن القيام بمهامها، وبرغم تورط عشرات المسؤولين في صفقات الفساد على مدى الأعوام الماضية إلا أن الهيئة لم تستطع إدانة مسؤول إلا بعد هروبه خارج البلاد، ومثلا فان وزير التجارة السابق عبد الفلاح السوداني الذي تورط بالفساد لم تستطع الهيئة القبض عليه، وقبله وزير الكهرباء أيهم السامرائي ووزير الدفاع حازم الشعلان.
مكاتب المفتشين العامين وهو جهاز آخر مهمته منع الفساد تأسس أيضاً بعد العام 2003، ولكن فشل أيضاً في مهمته، إذ غالبا ما ينجح الوزراء ووكلاؤهم من السيطرة على هذه المكاتب الموجودة في الأصل داخل مباني الوزارات.
حتى ان بعض المفتشين تورطوا في صفقات فساد ومنعوا أجهزة قضائية ونيابية من التحقيق في ملفات فساد، ومثلا فان المفتش العام لوزارة الصحة عادل محسن ثبت تورطه بصفقات فساد بعد تستره على ملفات، ولاحقا اضطر البرلمان لإحالته الى هيئة النزاهة، ولكن هرب أيضاً إلى خارج البلاد.
وفي (20) تشرين الثاني الماضي صوّت البرلمان أخيراً على مشروع قانون إلغاء مكاتب المفتشين العموميين، في اعتراف رسمي بفشلها في اداء مهامها.
ولهذا السبب استعان رئيس الوزراء حيدر العبادي بفريقين دوليين لمساعدة حكومته في كشف الفساد بعدما ثبت ان الأجهزة المحلية المخصصة لهذا الغرض فاشلة، وحتى الآن لا تتوفر معلومات عن طبيعة هذا الفريق وترفض الحكومة الكشف عن التفاصيل، ولكن معلومات مسربة تشير إلى أن الفريق سيدرس تعاقدات الدولة خلال السنوات العشر الماضية وسيباشر عمله العام المقبل.
وبدأ البرلمان الأسبوع الماضي حملة استجوابات لعدد من الوزراء متهمين بالفساد، بدأت مع وزير الاتصالات حسن الراشد دون نتيجة، فيما فشل النواب في استجواب وزير الكهرباء قاسم الفهداوي بعد انسحاب كتلته من الجلسة وأدى ذلك الى الإخلال بالنصاب القانوني، فالكتل السياسية تحمي وزراءها عبر التحالف مع كتل أخرى او لوحدها عبر تعطيل الاستجواب بأي ثمن، وفقا للنائب حنان الفتلاوي.
تقول الفتلاوي لـ «نقاش»: «كان من المفترض استجواب وزير الكهرباء، ولكن الكتلة التي ينتمي إليها الوزير «تحالف القوى العراقية» اتفقت على مقاطعة الجلسة لكسر النصاب القانوني».
أبرز التحديات التي تواجه جهود الحكومة العراقية في مكافحة الفساد هو اقتراب موعد الانتخابات، فالدعاية الانتخابية لهذه الانتخابات ستركز هذه المرة على الفساد المالي وليس الحرب على المتطرفين او الملفات السياسية الأخرى.
كتل سياسية سارعت منذ أشهر الى الاستعداد لذلك، فاعلن الزعيم الديني مقتدى الصدر طرد العشرات من أعضاء حركته السياسية لأنهم فاسدون، بينما أعلن حزب «الدعوة» طرد احد أعضائه البارزين من الحزب وهو صلاح عبد الرزاق محافظ بغداد السابق.
وبرغم أن غالبية الكتل السياسية أعلنت دعمها لجهود العبادي في مكافحة الفساد إلا أنها أبدت مخاوفها من أن تكون مجرد دعاية انتخابية له لانتزاع ولاية ثانية للحكم، بينما بدأت أحزاب أخرى تهديد العبادي بملفات فساد ضده عندما كان وزيرا سابقا ونائبا في البرلمان.
ويقول النائب عن «تحالف القوى العراقية» صلاح الجبوري لـ «نقاش»: «نحن مع مكافحة الفساد ولكننا نخشى من تحويل القضية الى دعاية انتخابية ووسيلة لتسقيط الخصوم وتشويه سمعتهم قبل الانتخابات، ملاحقة الفاسدين يجب ان تجري وفق إجراءات قانونية تشمل الجميع».
الجبوري أضاف أن «المشكلة في الفساد لا تقتصر على الحكومة والوزارات الاتحادية بل حتى مجالس المحافظات المحلية فهناك مبالغ مالية هائلة صرفت خلال السنوات العشر الماضية من قبل المجالس المحلية دون أن تحقق التنمية والتطور».
اما نائب رئيس الجمهورية اياد علاوي فكان أكثر صراحة، وقال إن «الحديث عن مكافحة الفساد مقترن بالحمى الانتخابية ولا يستطيع شخص بمفرده القيام بهذه المهمة، كما أن أولى خطوات القضاء على الفساد هو نبذ المحاصصة السياسية والحزبية».
مهمة الحكومة العراقية في مكافحة الفساد لن تكون سهلة فغالبية القوى السياسية الحاكمة متورطة فيها، ومثلا فأن قرار رئيس الوزراء حيدر العبادي في تشرين الثاني (اكتوبر) بحل مجلس ادارة مطار النجف بسبب تورطه بالفساد لم يتم تطبيقه، إذ أن مجلس الإدارة المؤلف من أحزاب «الدعوة» و»بدر» و»التيار الصدري» و»الحكمة» يرفض تسليم الإدارة بعدما تحولت موارد المطار إلى خزينة هذه الأحزاب.
في المقابل تستخدم الأحزاب سلاحا ضد العبادي، إذ يتهمون إياه بالتورط في صفقات فساد عندما كان وزير المالية في أول حكومة عراقية تشكلت بعد العام 2004، إضافة إلى صفقات استثمارية فاسدة جرت عندما كان رئيسا للجنة الاقتصاد والاستثمار في البرلمان عام 2006، ورئيس اللجنة المالية في البرلمان عام 2010.

*عن موقع نقاش.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة