في العام 1993 جرت داخل تنظيمات ما تبقى من عميد الأحزاب السياسية العراقية، استعدادات مبكرة لذلك الاستفتاء الذي جرى في 25/9/2017 عندما أعلن “الرفاق” في فرع إقليم كوردستان للحزب الشيوعي العراقي؛ انفصالهم عن الحزب الأم وتشكيل حزب شيوعي جديد على أساس قومي (الحزب الشيوعي الكوردستاني) قبل أن يتمكن دعاة القومية الكورد أنفسهم من امتلاك حزب قومي موحد لهم، وقبل أن يولد شرط ذلك التأسيس (دولة كوردستان المستقلة)، وهذا السلوك البعيد عن أبسط بديهيات تأسيس الأحزاب الشيوعية، أي الأممية لم يأت عبثاً، وكل من يعرف شيئاً عن المحطات التي مر بها ذلك الحزب (العراقي) الذي مثل ذات عصر روح المجتمع وأساس مشاريعه وتطلعاته الحضارية، وهذا ما أشار له بوضوح المؤرخ المعروف حنا بطاطو في مؤلفه المهم (العراق)، ثم تراجع دوره بشكل سريع ليصل الى ما هو عليه اليوم، سيكتشف الدور الذي لعبته هذه المخلوقات التي وقفت خلف تأسيس حزب شيوعي قومي قبل ربع قرن من إجراء الاستفتاء الذي ألحق أبلغ الأضرار بالقضية الكوردية وتطلعاتها المشروعة. عرابو ذلك الحزب الذي ولد ميتاً؛ هم من تلقف زمام أمور الحزب الشيوعي العراقي بعد حملة الإبادة المسعورة التي شنتها قطعان الحرس القومي ضد خيرة المدافعين عن مشروع الجمهورية الأولى، لتسنح لهم (فرع الإقليم)، فرصة بسط هيمنتهم على ذلك الحزب الذي كان مختلفاً عن بقية الأحزاب والتنظيمات بخلوه من كل ما له صله بأدران “الهويات القاتلة” لتخرج من رحمه بعد ثلاثة عقود (1963-1993) تلك الكتلة الهلامية التي يعجز عن سبر غورها طيب الذكر اليتش اوليانوف (لينين) بجلال قدره.
هذا الحزب الذي ولد قبل إجراء طركاعة الاستفتاء التي وقعت على رأس الشعب الكوردي بعقود؛ أعلن في بيان له بأن “يوم 25/9/2017 يعدّ أعظم انعطافة تاريخية في القرن الحادي والعشرين..” ومثل هذا الهذيان وحده يكفي لجذب اهتمام الجهات المعنية، كي تصدر له شهادة وفاة متأخرة منعاً لما لا تحمد عقباه من أطوار التفسخ المقبلة. ما جرى من تداعيات خطيرة بعد ما حذرنا منه مراراً، أي محاولات الهروب للأمام عبر دقلة الاستفتاء وغيرها، تحتاج الى مراجعة نوعية وشجاعة لما راكمته تجربة الإقليم بنحو خاص والعراق “الجديد” بنحو عام، وهذا ما لم يحصل حتى هذه اللحظة، حيث القوانات نفسها يعاد اجترارها من قبل حيتان الفشل العضال من دون أدنى وجع من عقل أو ضمير. طبعاً مثل هذه المراجعات النقدية المسؤولة والشجاعة لن تأتي من مومياءات وقوارض وذيول المشهد الراهن، بل من قوى وتطلعات ومشاريع متناغمة وحاجات عصرها الحيوية، قوى بمقدورها كنس كل هذه الفضلات المتفسخة والسامة، التي تعيق كل مساعي إعادة الحيوية والعافية لسكان هذا الوطن القديم وتطلعاتهم للحاق بركب الأمم الحرة. لقد برهنت الأحداث الأخيرة في كردستان وما يطلق عليها بـ “المناطق المتنازع عليها” على حجم المتاهة والذيلية وضيق الأفق التي رافقت تأسيس ذلك الحزب الذي ضيع جميع المشيات والهويات، فلا هو وطني ولا أممي ولا قومي..! نأمل أن يلتفت “الرفاق” في الإقليم لهذه الورطة قبل أن تنتبه السلطات القضائية لذلك، لعدم جواز وجود حزبين شيوعيين في بلد واحد..
جمال جصاني
الحزب الذي ولد ميتاً
التعليقات مغلقة