غادرنا أبا زيد .. غادرنا ونحن حزانى وغاضبين وعلى حافة اليأس من اننا سنعيش غداً أو بعد غد .. غادرنا أحمد بسرعة على عكس عاداته ومزاجه الهادئ والمتمهل . تمرض فأثار قلقنا وحدثناه بعد أن وصل أسماعنا انه تحسن وفرحنا بروحه وشجاعته وادراكه انه يقاتل وحشاً تخشاه البشرية كلها . وكنا نتحدث بمعيته عن حبيب آخر هو شريف الربيعي الذي كان اقرب الناس اليه . وكنا نفكر في طريقة احياء ذكرى شريف ونشر نصوصه وتلافيف حياته . كان الارتباك سيداً مفروضاً علينا ولكن أمسياتنا البغدادية مع أحمد كانت أهم من أشياء كثر .
لم يكن أحمد طارئاً على أي جلسة فهو كمخلوق يتسم بالثقافة العربية العميقة والثقافة العالمية في أوان واحد كان يستكمل رؤيته لحال بلده وهو يراقب ما يحصل وينتقد بعضه ويتحمل ما تبقى . عمل معنا في “الصباح الجديد” لنحو سنتين كرئيس تحرير تنفيذي للصحيفة.. ولم يكن لأحد أن يرى في وجوده على مقعد رئيس التحرير شيئاً يستدعي الملاحظة فأحمد كان رئيس تحرير أو في موقعه لسنوات طويلة في قبرص وفي لندن وفي بغداد التي انتهى منا بتأسيس صحيفته المفضلة ” العالم ” .
ولكن أجمل ما يبقى من أحمد نصوصه التحليلية والشارحة ببساطة مترفة أكثر زوايا الواقع الفكري والتاريخي العربي . لم يكتب أشياء سريعة مما علمتنا الأيام أن نكتب . كان متروياً وثرياً من داخله ، كان مدرساً ينتقي كل ما هو جذاب كشخصيته الجذابه الساحرة .
عرفناه نحن معارضي الدكتاتورية كواحد من أفضل مشخصي الخلل الذي أدخلته الأيديولوجيات على نسغ التفكير والمواقف على عقول نشطاء الثقافة والسياسة .
اليوم نتعايش مع غياب أحمد مع غياب الكثير من القيم والحكمة والعقلانية والوسطية . مجبرين نحن ورصيدنا في الحياة الآن يتناقص وفسحة الأمل تتضاءل.
لن نترك بقايا أملنا في صداقة لأحمد ومشاركته مائدته الودودة ورفقته ومجادلاته التي لا تقارن بقيمتها مع الرطانات الباهتة للكثير من الأحياء بعده .
اسماعيل زاير