إن ضمان نجاح قانون ما، أو بمعنى ضمان حسن تطبيقه وعدم وجود عوائق يتعذر معها تنفيذ فقراته، أو تحقيقه الغاية المرجوة من إقراره، يعتمد أساسا على مدى قدرة ذلك القانون على مواكبة الأحداث وتوقعها، والمرونة في نصوصه، حيث لابد من توقع جميع الاحتمالات ووضع معالجة لها. قانون الادارة المالية والدين العام، هو من أهم القوانين وأخطرها، كونه يخص عملية إعداد وتشريع قانون الموازنة العامة للدولة. لعل من أهم نصوص وفقرات هذا القانون المرقم 6 لسنة 2019 والذي تم تشريعه منتصف العام المنصرم، قبل اندلاع الاحتجاجات، هو مسألة وضع توقيتات زمنية وحتمية لإرسال قانون الموازنة الى مجلس النواب من مجلس الوزراء. فالمادة 11 من القانون، نصت على أن يتولى مجلس الوزراء مناقشة مشروع قانون الموازنة لإقراره وتقديمه الى مجلس النواب قبل منتصف تشرين الأول من كل سنة. وإن الغاية من وضع هذه المدة، هو لمنح فرصة لمجلس النواب لغرض مناقشة فقرات الموازنة، وإجراء التعديلات المطلوبة والمناقلة بين الفصول والأبواب، وصولا الى قانون ناضج ويلبي طموحات الناس. القانون، افترض ألا يتم الالتزام بالمدة أعلاه، اذ يمكن ألا يرسل مجلس الوزراء مشروع قانون الموازنة، الى مجلس النواب، أو يتم إرسال المشروع ـ، لكن مجلس النواب، ونتيجة للخلافات بين الكتل السياسية، لا يشرع القانون حتى انتهاء السنة المالية. هنا نص على القانون في المادة 13 على الصرف بنسبة 1/12 فما دون من إجمالي المصروفات الفعلية للنفقات الجارية للسنة المالية السابقة بعد استبعاد المصروفات غير المتكررة… ولحين المصادقة على قانون الموازنة من قبل مجلس النواب. ونص أيضا على حالة عدم إقرار قانون للموازنة لعام كامل، حيث عدّ القانون البيانات المالية النهائية للسنة السابقة أساساً للبيانات المالية لهذه السنة وتقدم الى مجلس النواب لغرض إقرارها. برغم عدم وضوح ودقة هذا العلاج القانوني، حيث إنه في المادة السابقة، نص على إن الصرف يستمر ولكن بشرط ألا يتجاوز نسبة 1/12 في الشهر الواحد مما صرف في السنة السابقة، ففي حالة بقاء قانون الموازنة من دون إقرار، فإنه يمكن أن يستمر الصرف على وفق تلك النسبة لغاية نهاية السنة المالية. ولكن المادة أعلاه إن البيانات المالية السابقة تكون نفسها البيانات الجديدة، برغم إن السنة السابقة تم إقرار قانون الموازنة ولم يتم الصرف وفق نسبة 1/12؟ فكيف ستكون البيانات نفسها؟ البرلمان، ونتيجة للظروف الحالية، قرر تعديل قانون الموازنة الحالي، كون هنالك حاجة كبيرة لتعديله، فيما يخص استحقاقات المحافظات من الموازنة، ونتيجة للتأخر في إقرار الموازنة، حيث إن السنة المالية على وشك الانتهاء حتى يتم إطلاق تلك التخصيصات، ولكون أنه لا يجوز مداورة المبالغ للسنة المقبلة، حيث تذهب الى الخزينة العامة ويعاد تخصيصها مجدداً وفقاً لآليات جديدة. وقد عالج التعديل الجديد هذه المشكلة، عندما جعل المبالغ التي لم تصرف تذهب الى صندوق خاص يسمى صندوق الأمانات، لغرض استكمال انجازها في السنة اللاحقة، وبهذا تمت معالجة مشكلة تأخر إطلاق موازنات المحافظات. ولكن مسألة عدم وضع جزاء لمن يتعمد تأخير إرسال قانون الموازنة او إقراره، في التعديل الجديد، يجعل القانون ناقصاً، فلا أهمية لإلزام لا يتبعه جزاء لمن يخالفه، حتى لو كان المخالف وزيراً أو نائباً في البرلمان.
سلام مكي