فاتنة الغرة
في بلد أجنبي تسكنه جالية عربية كبيرة كبلجيكا يبدو من الغريب بعض الشيء ألا تجد مكتبة عربية تقدم الكتاب العربي سواء للعرب المقيمين أو لدارسي اللغة العربية ممن يودون التعرف على ثقافتها ومنتجها الفكري والإنساني والذي هو منتج مهم، ومن هنا تنبع أهمية وجود معرض كتاب عربي نظمته «مكتبة العرب الألمانية» مؤخراً في مدينة بروكسل بالتعاون مع جمعية «بيتنا» واستمر ثلاثة أيام وعرضت فيه مجموعة كبيرة من العناوين التي تهم القارئ العربي والدارسين لهذه الثقافة.
القراءة سبيل لامتلاك ناصية اللغة الأم
استطاع معرض بيت الكتاب العربي في بروكسل الذي يتم تنظيمه للمرة الثانية هذا العام في العاصمة البلجيكية استقطاب شريحة كبيرة غلب عليها الشباب التواقون لاقتناء منتج عربي بدلاً من الذهاب إلى المواقع الإلكترونية التي يستغرق بعضها الكثير من الوقت لتوفير الكتب لراغبيها فجاءت «مكتبة العرب الألمانية» لتلبي هذه الحاجة المهمة، وهي بدأت نشاطها منذ ثلاث سنوات انطلاقاً من حاجة صاحبها وزوجته للحصول على كتب عربية خاصة ولأنهما كانا يبحثان عن مشروع لإدارته غير محلات الشاورما والمنتجات الغذائية العربية، وهي المشاريع التي يذهب إليها أغلب المهاجرين.
وحينما تجولت في المعرض تحدثت مع آية التي تدرس الماجستير في تاريخ المدن عن السبب الذي دفعها للحضور للمعرض فأوضحت أن السبب الرئيسي كان ضعف لغتها العربية التي تود تقويتها عبر القراءة مؤمنة أنها سبيلها لامتلاك ناصية لغتها الأم بشكل محترف. وقالت إنها كانت تلتفت كثيرا لقواعد اللغة ومفرداتها حينما كانت تقرأ القرآن لكن اللغة صعبة بالنسبة لها، لذلك توجهت إلى القراءة في كتب أكثر بساطة عبر اقتناء الكتب خاصة في بلد يندر فيه تواجد كمية كبيرة من العناوين العربية التي قد تكون قرأتها بلغة أجنبية وكان من المهم لها أن تقرأها باللغة الأم، وكان توجهها لأسماء تعرفها وهو عالم يمكنها فهمه بشكل أكبر خاصة أنها سمعت عنها من قبل، كما أنها قد تجد كتباً تعينها على فهم موضوع تخصصها ألا وهو دراسة المدن وبعض هذه الكتابات تعينها على فهم وجهة النظر العربية بالحديث عن المدن تحديداً. وبخصوص الأسعار قالت إنها لم تطلع عليها بعد، لكنها تؤمن أن هناك أشخاصاً يودون اقتناء هذه الأعمال ويدفعون مقابل ذلك كي تكون لديهم مكتبتهم الخاصة، و»إن كان هناك كتاب أحببته فليست خسارة أن أدفع مبلغاً ولو كان كبيراً مقابله».
وبالحديث مع علي الحاصل على ماجستير العلاقات الدولية من باريس أخبرنا أن الدافع الأساسي للقدوم إلى هذا المعرض هو حب المطالعة وشغفه باللغة العربية نظراً لأنها لغة غنية وقناعته بأن أهمية القراءة تكمن في كونها وسيلة لانتقال المعرفة، موضحاً أن اختياراته تتمحور حول علم الاجتماع والفلسفة والعلاقات الدولية؛ و»قد وجدت هنا بعض ضالتي من الكتب التي تغذي مجال دراستي». ويرى علي أنه «من المعيب ألا نجد مكتبة عربية في بلجيكا خاصة مع وجود جالية عربية من دول كثيرة، خاصة وأن هناك كتباً قرأتها مترجمة إلى الفرنسية أو الإنكليزية لأنها لم تتوفر لي باللغة العربية وهذا يفقدها الكثير من معناها، لكن قراءة النص الأصلي بالعربي هو شيء آخر ومتعة مختلفة لأني أتواصل هنا مع الكتاب مباشرة دون وسيط». أما بالنسبة للأسعار «فأظن أنها مقبولة فهي ليست بالمُغالى فيها ولا هي بمتناول كل الأيدي لكن تبقى معقولة مقارنة بنوع الكتاب وقيمته».
كل أنواع الكتابة
وشرح لنا راشد حموش، صاحب «مكتبة العرب الألمانية»، الدافع وراء إقامة معرض للكتاب العربي في بروكسل موضحاً أن «نشاط المعارض عموما هو نشاط أسبوعي تقوم به المكتبة في مختلف المدن الألمانية تحديداً وبعض المدن الأوروبية رغم أن المركز الرئيسي للمكتبة يقع في مدينة إيسن، وهذه المعارض تتحدد وفق البعد الجغرافي والطلبات التي ترد على صفحة الفيسبوك الخاصة بالمكتبة، ويحدث كثيراً أن نتلقى طلبات بإقامة معرض في هذه المدينة أو تلك ونقوم بتقييم العرض وهذا هو المعرض الثاني في مدينة بروكسل».
وعن سؤالنا حول آلية التنظيم وكيف تحدث، أجاب حموش أنهم يقومون «بالتنسيق أحياناً مع مؤسسات عربية موجودة في المدينة المقصودة أو على أقل تقدير مؤسسات يمكنها منحنا المساحة الكافية لإقامة المعرض». وفيما يختص بنوعية الكتب المعروضة أكد حموش أنه «لا يتم التركيز على نوع معين لكنها تشمل كل أنواع الكتابة مثل الأدب العالمي المترجم والرواية العربية والكتب الدينية والفلسفية وكتب التنمية البشرية إضافة إلى قسم خاص لكتب الأطفال، ونحن نحاول توفير كل الكتب المهمة والمطلوبة، حيث أننا لاحظنا منذ المعرض الماضي أن الإقبال الأكبر يكون من نصيب الرواية العالمية وكتب الأطفال بينما تجد في مدن أخرى أن الكتب الدينية هي التي تحظى بنسبة الإقبال الرئيسية لكن هنا في بروكسل الأمر يختلف فالرواية العالمية عليها طلب كبير ولافت». ويلفت حموش النظر إلى أن «اعتمادنا بالبيع يرتكز بالأغلب على البيع الإلكتروني حيث هو أكثر سهولة ولا يتطلب مكاناً خاصاً أو ميزانية أكبر من ميزانية الكتب نفسها، وهو أمر غير مجز تجارياً، لكنه على الجانب الثقافي هدف نبيل ونطمح لأن يكون لنا فرع خاص في بروكسل لو كان هناك تعاون من قبل منظمات تساعد على تحقيق هذا الهدف».
وعن سؤالنا حول كيف بدأت فكرة المكتبة أوضح حموش أنه «بحكم أنني وزوجتي قرّاء ثقافة، كنا نبحث عن كتاب عربي لاقتنائه في المهجر فلا نجد شيئاً، ومن ثم قمنا بالتواصل مع مواقع لتوفير كتب لنا لكن تكلفة الشحن فيها عالية جدا ولذا فكرنا أن نعالج مشكلتنا ومشكلة أشخاص آخرين وبهذا أصبح مشروعاً عائلياً، وبالفعل بدأنا بكمية صغيرة لدراسة حجم الإقبال الذي شجعنا على المضي قدماً في هذا المشروع، حيث بدأنا بعشرين عنواناً تقريباً استطعنا استيرادها من مصر إلى أن وصلنا الآن إلى أكثر 2500 عنوان وأكثر 45 ألف كتاب بكل التخصصات. وما نفعله الآن هو تلبية العناوين المهمة والمطلوبة حتى يمكننا الإحاطة بكل ما يريده القارئ العربي في أوروبا». وفيما يتعلق بالأسعار خاصة أسعار كتب الأطفال ذكر حموش أن كتب الأطفال «هي أكثر الكتب المكلفة التي نشتريها بسعر مرتفع أصلاً ونحن نبيع هنا بنفس السعر الذي تبيعه دار النشر في البلد الأصلي ولا نحاول أن نكسب أكثر من المعقول، وأطمح لأن نكمل هذا المشروع وأن يكون مشروعاً رائداً يمكننا الفخر به بعد عشر سنوات من الآن».