أمير الحلو
يخيل إلينا أحيانا أن بعض الامور تتم بالمصادفة فلولا عشق أنتونيو لأنف كليوباترا لما أشتعلت الحروب الطاحنة على الاراضي المصرية قديما ،ولا انتحرت المرحومة كليوباترا بلدغة أفعى سامة! وهكذا تستمر هذه النظرية في تفسير التأريخ وأحداثه المهمة بأنها جرت بالمصادفة وهي خارج قدرات الانسان على تغييرها ومنع وقوعها وخصوصا الحروب المدمرة ، وهذه النظرية تشبه مقولة (لاتفكر فلها مدبر) وهي دعوة لألغاء العقل وقدراته على الفعل في الاحداث ، في حين الوقائع تثبت بعد ذلك أن لكل حدث مدبراً يقوم بالتخطيط والتنفيذ بنفسه أو مع غيره.
ما دفعني الى الحديث عن الموضوع مشاهدتي مقابلة تلفزيونية مع هنري كسينجر وزير الخارجية الاميركية الاسبق وهو من أكبر الوزراء الفاعلين في تأريخ الولايات المتحدة الاميركية وما زال له تأثير إستشاري في السياسة الاميركية الاستراتيجية، فقد قال في المقابلة أن أميركا قررت بعد فشل كل الجهود لحل القضية الفلسطينية وقيام الحروب بمشاركة مصرية كبيرة وفي المقابل تشدد إسرائيلي في رفض أية مبادرة للسلام وإعادة حقوق الفلسطينيين , أن تسمح بقيام حرب محدودة (لا رابح بها ولا خاسر) تمهد لأجراء مفاوضات بين الاطراف المتحاربة وصولا الى تحقيق السلام ، وهذا ما حدث فعلا فقد قامت أميركا بحجب معلوماتها الاستخبارية عن الحشود المصرية في الضفة الغربية من القناة والتغاضي عن التسليح والمساعدات السوفيتية الى مصر وأعطت الضوء الاخضر للسادات ببدء الهجوم والوصول الى مناطق لا تقترب من الحدود الاسرائيلية وذلك سبب الخلاف بين السادات والفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الاركان الذي كان يريد عبور قواته لمنطقة الممرات وتحرير كل سيناء، وبعد ذلك قامت أميركا بتسليح فوري لآسرائيل شمل الدبابات الحديثة والاسلحة الهجومية مما مكن الجنرال شارون من إحداث الثغرة على قناة السويس والدخول في الاراضي المصرية، وبعد هذا (ألتوازن) شجعت أميركا مجلس الأمن الدولي على إصدار قرار بوقف أطلاق النار من الجانبين ثم الجلوس الى طاولة المفاوضات بوجود ورعاية أميركية وصولا الى توقيع إتفاقية (كامب ديفيد) بعد أن قام السادات بزيارة أسرائيل ودعوته الى السلام, وبالفعل انسحبت القوات الاسرائيلية من سيناء بشروط تحفظ لها أمنها العسكري ثم جرى تطبيع العلاقات بين الطرفين وصولا الى قيام علاقات دبلوماسية وفتح السفارتين وإحلال الهدوء بين الطرفين منذ ذلك التأريخ ولحد الان.
وهكذا نرى أن سياسة كيسنجر تتبع مثلنا القائل (ياشدة زيدي تنفرجي) وبالتالي فأن البعض نسب هذه الاحداث لنفسه في حين أن كل الخيوط كانت بيد أميركا وعرابها كيسنجر، ترى كم من الامور التي نشهدها اليوم هي من فعل فاعل أجنبي برغم أدعاءاتنا بأحراز النصر أو حدوث الهزيمة!