عالـم داعـش تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام

الحلقة الثامنة

 

شكلت الظاهرة الإسلامية «المتطرفة» عصب الأحداث الاجتماعية في منطقتنا العربية وعالمنا الإسلامي على السواء. كما القت بظلالها وغيومها الكثيفة على سماوات العالم العربي شاسعة الأبعاد; لأنها شقت الخارطة الأساسية لعدد من البلدان كأفغانستان والعراق وسوريا وأخيرا ليبيا. وأثارت زوابع دامية عن امتداد سنوات في الجزائر واليمن والصومال فضلاً عن انها نجحت في اختراق حلقات نشطة في دول مجلس التعاون الخليجي واخيراً كانت وما تزال تتفاعل بقوة ونشاط في البيئة الاجتماعية والأمنية للمملكة العربية السعودية بما يجعلها احد اخطر الخيارات المحتملة للمشهد في تلك المملكة التي عبثاً تنكر مسؤوليتها الفكرية والايدلوجية والمالية عن انجاب هذا الكيان المرعب والمعقد والقادر على التنكر والتخفي أو الصعود الى السطح.

«القاعدة» كانت الأم التي خرج من رحمها عدد كبير من الجماعات والكتل والتنظيمات ولكنها اتخذت في كل مرة مظهراً متجدداً. على المستوى التنظيمي جعلها بمنزلة مخلوق أميبي احادي الخلية قادر على العيش في ظل ظروف صعبة. وهكذا ظهر منها مايعرف بِتنظيم «داعش» وهو كناية عن الدولة الاسلامية في العراق والشام. ومع ان الادبيات عن المنظمة الام ومشتقاتها كثيرة للغاية الا اننا في العراق يبدو أننا معنيون بتقديم الصورة الأقرب عنها ولمعالجة مايكروسكوب تستحقها ويحتاج اليها كل باحث ومفكر ومواطن. وهنا، تنشر الصباح الجديد، وفي حلقات متتالية، مخطوطة كتاب قيد الطبع، للباحث والمؤرخ الإسلامي العراقي، هشام الهاشمي، بعنوان «داعش.. دولة الإسلام في العراق والشام».

هاشم الهاشمي*

 

الاعلام الالكتروني لتنظيم داعش:-

١- هو خليط من المهارات الإلكترونية الاعلامية والثقافات التكفيرية..فهناك الكاتب وهناك الخطيب وهناك المهندس والسياسي..وهناك المتابع والمجند وهناك المعلمة والمهندسة والمثقفة وغير ذلك….يعني نخب وملاكات وقيادات الإعلام الجهادي خليط متنوع من التخصصات والتوجهات ولكنه كله يصب في هدف واحد ألا وهو نصرة داعش..ولأن اعلام داعش يتماثل مع اعلام القاعدة، في الدعوة لاحياء روح الجهاد الاسلامي وفي النهوض، وامتلاك زمام المبادرة الجهادية، بكون المشروع الجهادي هو الحل نحو خلافة إسلامية راشدة.

هذاالجيش الاعلامي الساند لبيانات وصوتيات ومرئيات داعش أفراده يعملون تحت عناوين مختلفة، المراكز والمؤسسات والسرايا والكتائب الإعلامية، يسعى لنصرة داعش ونشر ثقافاتهم وخطاباتهم ومناهجهم وعقائدهم بكل الأساليب الاعلامية والتقنيات المتاحة..هم الأذرع الإعلامية لداعش ودولة البغدادي…ويعتقدون ان عملهم هذا واجب شرعي على كل مقاتل.

وكل مجموعة لها وظيفتها المعينة وهم على شكل شبكات، تتواجد كل شبكة في منتدى من المنتديات الجهادية او موقع من مواقع التواصل الاجتماعي لدعمهم هدف من الاهداف التي يقررها الاعلام المركزي الخاص بتنظيم داعش ( مركز الفجر للاعلام، ومؤسسة الفرقان الإعلامية ) حصراً..

 هذه الجهود الإعلامية هي وسيلة التواصل الفكري والمنهجي تكاد ان تكون الحصرية وخاصة مع توسعهم جغرافيا، واستفادوا من هذه المناصرة والدعم المعنوي.. لدرجة انهم يعدَون ان جبهة الاعلام الالكتروني من اهم جبهات انتصاراتهم، والمشرف على كيانات الإعلام الجهادي سواء كانت منتديات او مواقع او مدونات او مجموعات بريدية، غالباً ما يكون من السلفيين السعوديين لما يتصفون به من فصاحة اللغة وأدبيات الخطابة وغزارة الاستدلال الشرعي والولاء للبغدادي.

٢- الدوائر المخابراتية غالبا ما تحاول استهداف الاعلام الجهادي لداعش من خلال شركات الإستضافة، أو الاستعانة ببعض (الهاكرز) لإختراق تلك المواقع أو الحسابات الإلكترونية…ولكن كلما تعرض موقع للاختراق او الحجب ابتكر أفراد الاعلام الجهادي الأساليب الالكترونية للحماية والتخفي.

المخابرات الخليجية وخاصة الاماراتية وبالتعاون مع المخابرات الاردنية والمصرية والاميريكية جندت مراكز دراسات من شتى المشارب واستعانة بمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي أي) وأقامت منتديات ومؤتمرات عن كيفية محاربة الإرهاب الإلكتروني، ونتج عن هذه المؤتمرات توصيات وخطط لمحاربة الاعلام الجهادي على شبكة الإنترنت..كل تلك الجهود قد نجحت بنسب متفاوتة ولكنها لم تنجح في ضرب مؤسسات الإعلام الجهادي وإنهائها بشكل جذري!!

يتنوع الأعلام الالكتروني في العراق وسورية بين المواقع و المدونات الشخصية و الصفحات و الحسابات الشخصية على الشبكات الاجتماعية و تعمل هذه الملاكات أو الوسائط بشكل مستقل و لكنها ترتبط يبعضها في توزيع عناوينها وهو ما يشكل <>بنية تحتية لأعلام داعش <> يقيها من مخاطر الحجب!!!

والأمر العجيب أن ملاكات الإعلامية لتنظيم داعش في تزايد مذهل..وهذا يدل على ان هناك عقولاً مهنية وخبيرة هي التي تسير اعمال الإعلام الجهادي بصفة عامة.

٣-أفكار تنظيم داعش الجهادية، تكتب على يد مجموعة من الكتاب والمنظرين العراقيين و على يد مجموعة من قيادات الجماعات الجهادية الخليجية والمصرية واليمنية والأردنية، وخاصة رموز الأفغان العرب !!

اعلام تنظيم داعش يركز هذه الأيام على تويتر لنشر البيانات والخطابات في وسائل الإعلام الاجتماعية التي تعد الجبهة الإعلامية الساخنة في حرب داعش لجبهة النصرة وأنصار قاعدة الظواهري والجماعات الجهادية الأخرى، المدونات و الحسابات الشخصية على التويتير هذه تستعمل من طرف الجمهور العريض وخاصة الفئة المتعاطفة والتي تمثل الجمهور الأكبر حجما فهم «مشاريع داعش»..

الاعلام الإلكتروني لداعش يعمل على مدار اليوم والليلة في الشبكة العنكبوتية من بث أفكارهم والتجنيد الفكري للأفراد من خلال الحوار ومن ثم اقامة العلاقات ضمن تلك المجتمعات الجهادية الافتراضية…

اعتماد تنظيم داعش في العراق وسورية أو خارجهما على الانترنت وسيلة أساسية وشبه وحيدة في الترويج و النشر لأفكارهم ومنهجهم، يرجع لسهولة تدفق المعلومات فيها وإمكانية نقل النصوص والصوتيات و المرئيات بسهولة من خلالها إلى جانب سبب مهم و هو عدم وجود قانون ينظم الإعلام الالكتروني في العراق، ولقلة الكلفة المادية.

ساعدت الشبكة العنكبوتية اعلام داعش من الوصول إلى جمهور مهم و خاصة شريحة الشباب حيث أن الأفكار التي تنشر من خلالها تصل بشكل اكبر من الصحف والكتب والمطويات والكراسات…

٤- منافذ الاعلام الالكتروني لداعش؛ مؤسسة الفرقان (للصوتيات والمرئيات) والفجر (البيانات والخطابات المقروءة) والجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية ومؤسسة الأنصار والمأسدة والملاحم والصمود والمجموعة البريدية ومركز اليقين وسرية الصمود ومؤسسة الأعتصام وغيرها من المراكز والمؤسسات الإعلامية الجهادية، والمنتديات الجهادية وعلى رأسها شبكة الشموخ والتحدي وأنصار المقاتلين وشبكة المقاتلين وشبكة حنين وشبكة انا المسلم وغيرها – التي تعد المنابر الأساسية التي تنطلق منها أصوات هذه المؤسسات سالفة الذكر، كلها تعمل من أجل نصرة منهج ونشر أخبار داعش ولتكون صلة وصل بين المقاتلين والبغدادي…

 و يتزود مقاتلو داعش بمعلوماتهم الدينية والجهادية من تلك المنافذ، حيث يعمل البغدادي والهيئات الشرعية على تزويد تلك المنافذ بكتابات عقائدية و دينية و سياسية، بحيث أصبحت هذه المنافذ عبارة عن مكتبة افتراضية للمواد (الجهادية القطبية التكفيرية ) توفر سهولة الدخول لأي شئ، من مواد حماسية و جهادية إلى مواد مرئية وفتاوى تكفيرية متشددة، يسعى هؤلاء إلى إنشاء مجتمع الكتروني بغية إقامة قاعدة عامة جهادية من رواد الانترنت تكون رافداً للجهاديين…وهذه المجتمعات الالكترونية الجهادية نجحت في الوصول إلى كل انصار داعش في العالم العربي و أوروبا وتخطت وظيفتها الجانب الدعوي التثقيفي إلى وظائف أخرى كالتجنيد والتدريب و التخطيط و كل هذه المراحل يصلها الأفراد وهم جالسون في بيوتهم..

٥- مؤسسة الفرقان الإعلامية وهي مؤسسة إعلامية افتراضية مدعومة من كل المواقع الالكترونية الجهادية وخاصة شبكة حنين وشبكة انا المسلم وشبكة شموخ الإسلام، و تقوم بنشر أفلام وخطابات وبيانات صوتية ومرئية… مرتبطة بشكل مباشر بالبغداي ويديرها السعودي ناصر القحطاني ومجموعة من التكفيريين و المختصين بالأعلام الإلكتروني، و تقوم بنشر مقاطع افلام غزوات ومعارك>> داعش>> إلى جانب تأمين نشر المواد المرئية الدعوية والسياسية والردود.

بالجملة فان مؤسسة الفرقان تُعنى بنشر المواقف العامة لداعش، وايضاحات عن معاركها على عدة جبهات، فهي تحارب في العراق (القوات الحكومية الأمنية والعسكرية وحلفائهم والعملية السياسية) والجيش الحر وجبهة النصرة والجبهة الاسلامية في سورية!!

فمؤسسة مثل هذه تعمل على جبهتين في آن واحد، الجبهة العراقية والجبهة السورية، حيث أن أعداء داعش في العراق يتمثلون أساساً في الحكومة والسياسة والطائفة الشيعية،وطوابير من الكفاءات والنخب في شتى مجالات الحياة، أما الجبهة السورية فهي أوسع من الجبهة العراقية من حيث جبهات العداوة !!!

وتعمل هذه المؤسسة على وفق استراتيجيّة ملء الفراغ الاعلامي لمنع المقاتلين من داعش من الإهتمام بالقنوات الإعلامية الأخرى، وجعل المقاتل منشغلا، من دون أن يكون له أي وقت للاختيار أو إرادة للتمرد، و مخاطبة المقاتلين كمجموعة أطفال صغار بين ايدي آبائهم، واستثارة العاطفة واستعمال الاصوات والاناشيد الحزينة والعبارات التكفيرية، وإبقاء المقاتل في حالة جهل وحماقة،وبالتالي السمع والطاعة للبغدادي ومن ينوب عنه!!!.

ملف التجنيد لداعش :-

١- أن حالات التجنيد في العراق ما تزال ممارسات فردية دعوية سرية غير معلنة، والتي تعتمد على تهييج الحماسات والعاطفة التي يمارسها دعاة التجنيد، والتأثير على المجند نفسياً..وتعد الخطابات والصوتيات والأناشيد الجهادية، اهم وسائل التجنيد، حيث تمثل الصوتيات أهم بؤر جذب الجهاديين في العراق وقد بدأ ظهور الصوتيات الجهادية في العراق عام ١٩٨٦ مع دخول الأشرطة الخاصة بالشيخ عبدالله عزام وحكمت ديار وبرهان الدين رباني، ايام الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفيتي، ثم بعد عام ١٩٩١ وجدت أشرطة شيوخ الصحوة الجهادية من السلفيين قبولا واسعاً، وخاصة الشيخ سفر الحوالي والشيخ سلمان العودة والشيخ ناصر العمر والشيخ عبدالرحمن عبد الخالق…

٢-ثم جاء وقت الرسائل والكراسات والكتيبات التي شجعت على التمرد السلفي ضد الحكام وخاصة في عام ١٩٩٧ حيث ظهرت الحركة السرورية ( سلفية العقيدة- إخوانية المنهج) واشتهرت مجلة السنة التي يديرها الشيخ محمد زين العابدين بن سرور، وفي حج عام ١٩٩٨ التقى به مجموعة من العراقيين تأثروا به كانوا هم النواة الاولى للسلفية الجهادية، ومن ابرز مؤسسي جماعة أنصار الاسلام في كردستان العراق، وبعد سنة واحدة من اللقاء قام دعاة الجهاد من أنصار الاسلام بالتجنيد داخل بغداد وصلاح الدين والموصل وديالى… وكان ابرز دعاة هذا المنهج هم قادة حركة الموحدين السلفية ومن أبرزهم الشيخ سعدون القاضي والدكتور محمد الجبوري والدكتور محمود المشهداني.

٣- يتمتع الجهاديون بعلاقات تاريخية مع الخليج والشام ومصر بفعل مواسم الحج والعمرة..ولذلك يمكن القول إن المعتنقين الأوائل للسرورية أو المقربين منهم هم من المجموعات المسؤولة على التجنيد في العراق وذلك بسبب تحملهم قضية السلفية الجهادية والأفكار السرورية. وكانوا يروجون لكتابة المقدسي والطرطوسي وسيد امام والظواهري المتعلقة بالدعوة الى ( الحل الجهادي) في العراق والتبشير بدولة الخلافة والدعوة الى بيعة الملا محمد عمرو والترويج لدولة طالبان وما يتطلبه ذلك من الهجرة والبيعة السرية والنصرة المنهجية.

ويمكن اعتبار هذا الرافد المجال الذي من خلاله تم صناعة السلفية الجهادية في العراق، وسعى من خلاله بعض الجهاديين والدعاة إلى قيام الخلافة الاسلامية.

٤- العداء السياسي بين العراق وايران الذي أخذ مداه بعد الحرب العسكرية ( ١٩٨٠-١٩٨٨) الذي استمر لغاية سقوط نظام البعث عام ٢٠٠٣، الامر الذي جعل نشاط المنهج السلفي ينتشر في كل العراق كردة فعل على إيقاف مد التشيع الإيراني في العراق، ومن المؤكد أن المؤسسات المحسوبة على السلفيين ناشطة جداً في محاربة التشيع، والتنبيه على مخاطره، وهو ما عكسته سلسلة أنشطة يقوم بها من حين لحين مجموعة من طلاب العلم والدعاة والناشرين في كل أنحاء العراق وخاصة بغداد ومحافظات الجنوب والفرات الأوسط، التي كانت تروج في الوقت نفسه للفكر التكفيري الجهادي…

 وفي المقابل ازداد تعاطف المجندين العراقيين مع الدعوة السرورية والسلفية الجهادية و صعد تعاطف المجندين مع أنصار الاسلام وخاصة في عام ٢٠٠٠ الذي يعدَه العديد من الدعاة الجهاديين أنه يمثل عام النجاح لنشر دعوتهم!!!

٥-ويأخذ الاقتصاد جانباً مهماً مِنْ ملف التجنيد بين الدعاة الجهاديين، وتتحدث مصادر قريبة من ملف السلفية الجهادية في العراق، عن تسيير رحلات مستمرة للحج والعمرة يحمل أصحابها عند عودتهم مبالغ مالية كبيرة، وبعضاً من الأموال باتجاه عمان ثم العراق.

قادة السلفية الجهادية في العراق اعتمدوا على المال بشكل مباشر كوسيلة للمد الجهادي، ويؤكدون أن الدعوة بمساندة المال واحدة من الأمور التي ظل الجهاديون يعدَونها ميزة من ميزاتهم الدعوية الجهادية !!!

٦- بعد آذار عام ٢٠٠٣، استخدمت الفصائل الجهادية في العراق ما كانت تتبع سابقا نفسه من سياسة التجنيد السرورية في بغداد وصلاح الدين والموصل عبر تجنيد الشباب وجمع التبرعات ونشر فكر التكفيرية..لكنهم زادوا على هذه السياسة انهم فتحوا الأبواب امام من تاب من البعثية والأجهزة الامنية، أسلوب الجهاديين واحد هو تجنيد بعض الأئمة والخطباء في المساجد مثلا والأساتذة في الجامعات والكليات والمعاهد الاسلامية وتوسعوا الى الجامعات الاخرى، وركزوا على تجنيد شباب القرى والأرياف وعن طريق اللعب على وتر الانتقام لمقتل أحد ذويهم الذي غالباً ما يكون عضواً في الفصائل الجهادية.

والسبب في تفضيل تجنيد الشباب المتدين والقروي على غيره من الشباب الأخرين لوجود شبابٍ يملكون وعياً دينياً مميزاً مقروناً بجهل سياسي!!!

٧- مواقع التواصل الإجتماعي والمنتديات والمواقع الجهادية، تعد اليوم من اهم وسائل التجنيد للفصائل الجهادية، ودورها يقتصر على الدعم اللوجستي من خلال نشر بيانات الجهاديين على الشبكة العنكبوتية وتحريض الشباب على الإنضمام للجهاد وجمع الأموال وتأمين تنقلات المقاتلين وسكنهم…ولقد لجأت الفصائل الجهادية لهذه الوسيلة بسبب صعوبة قيام الدعاة بمهام التجنيد في المساجد والجامعات وأماكن العمل، نتيجة الحصار الأمني المكثف وتجفيف بؤر التجنيد إذ إن جميع الجهاديين أصبحوا مستهدفين ومعروفين لدى الأجهزة الأمنية.

بيعة البغدادي:-

١-يبدو أن الكثير من الأشياء تغيرت بالنسبة إلى «داعش»، بعد معارك سورية وحرب جسر الشغور عام ٢٠١٢، فمن ناحية زيادة أموالهم وسلاحهم وعديد مقاتليهم بشكل مباشر وفاعل في الجبهات الشمالية والشرقية السورية، إلى ان بلغ الذروة في نيسان عام ٢٠١٣ فرضت داعش البيعة للبغدادي على كل من يحمل السلاح ضمن تلك المناطق، وفي وقت سابق كان البغدادي يكرر أنه لن يستعمل السلاح أبداً الا في قتال النصيرية والصفوية ونظام بشار، لكنه قاد معارك فرض البيعة في الرقة وريف حلب وريف أدلب وجبال اللاذقية بنفسه ضد جبهة النصرة والجبهة الاسلامية وأحرار الشام وبقية الفصائل السورية، وتمرد على قرارات «الظواهري» التي كان يصفها البغدادي دائماً بالضعف والوهن.

٢-فعندما كانت محافظات الشمال والشرق السوري تقبع تحت سيطرة الجيش الحر وبقية الفصائل السورية، كان البغدادي يترقب الوقت المناسب إلى التدخل وفرض سيطرته هناك، إذ إن أجندة الحكم بقهر السلاح هي أجندته. لكن بعد سيطرته في أيلول عام ٢٠١٣ وانسحاب الفصائل السورية، أعلن البغدادي إقامة المحاكم الشرعية والأحكام السلطانية وأخذ الجزية، في مقدمة لإعلان الخلافة، وتمرده على بيعة القاعدة بشكل مباشر، في محاولة منه لتدويل ظاهرة داعش، وللحفاظ على ما يمكن حفظه من الاموال والاعتدة والسلاح والدفاع عن حقه بالقيادة في العراق والشام الذي بات منتقداً في المجتمع الجهادي.

٣-من المتغيرات بالنسبة إلى «داعش» فقدان البغدادي كتلة كبيرة من داعميه من مشايخ السلفية الجهادية. فبعضهم يرى أن خروجه على الظواهري من أفعال الخوارج، وآخرون يرون أن البغدادي بفرض بيعته على جبهة النصرة أعلن الحرب على التيار الجهادي السلفي… وهو ما أفقده بريقه بوصفه حامل قضية نصرة العرب السنة في العراق والشام، وهذا كان يمنحه صدقية عالية كجماعة مسلحة ممارسة لحق الدفاع عن السنة، وخسر تمتعه بالقبول في العالمين العربي والإسلامي، وإيضا ان شخصية البغدادي تكفيرية طائفية في تكوينها، أثرت في أسلوب تعاطيه مع معارك العراق وسورية، وربما تأزم المنطقة وتعصف برمتها وتعيد رسم خارطتها السياسية والجغرافية.

 ٤-تبنى البغدادي منهج بن لادن في المنطقة، وتحدثه عن اخطاء وبدع وكفرانية الجماعات القومية والليبرالية والسياسية في العراق وسورية، فهو أخذ منهج بن لادن بحذافيره، حتى بدأ يقلده في خطابه وعبارته واقتباسه للنصوص. ولم يرَ البغدادي في الفصائل الجهادية في الساحة العراقية والسورية فصائل شرعيّة..

ولم يرَ في تلك الفصائل الا مليشيات وأذرع لأحزاب سياسية ومخابرات إقليمية.. وهي الرواية نفسها التي يتبناها بن لادن مع خصومه في أفغانستان.

ولا أعرف كيف يرد البغدادي التهم الموجهه له، إذ إنها تضع داعش في خانة المليشيات الإيرانية لا الحركات الجهادية.

٥-من ناحية أخرى، يحاول البغدادي تثبيت قدمه في المنطقة من خلال اعتبار نفسه جهة مساهمة في محاربة الصفوية، البغدادي لا يستطيع أن يتخلى عن لباسه الطائفي. ولن تصمد ورقة حماية السنة أو محاربة الصفوية في تغطية حقيقة أن البغدادي علق مصيره بمصير فرض البيعة له. فمعارك حلب والرقة والحسكة هي معركة فرض البيعة له، ويعي البغدادي هذا…

*مؤرخ وباحث في شؤون الجماعات الاسلامية

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة