مسح بريطاني «متشائم» من تطور الصحة في العراق ومخاوف من «التدهور أكثر» ما لم «تتحسن ظروف الحياة»

أكد أن إحراز التقدم لا يزال محدوداً

بغداد – فرانشيسكا دافينبورث
ترجمة الهادر المعموري

بالرغم من الاستثمارات الضخمة التي خصصت للنظام الصحي في البلاد خلال اكثر من عقد مضى من الزمن, إلا ان الوضع الصحي للعراقيين تدهور بشكل لافت, فضلا عن كونه سيتدهور ويفشل اكثر ما لم يتم القيام بشيء من اجل تحسين الواقع المعاشي للناس.
فحسب تقرير متخصص نشر في مجلة «رويال سوسايتي أوف مديسون» الطبية, فقد خلصت الأخيرة إلى ان الاستثمار المستمر في مجال الخدمات الصحية يعد عاملا حاسما في رفع المستوى الصحي للشعب العراقي, إلا ان إحراز التقدم في هذا الموضوع سيكون محدودا من دون تقدم مقابل في مجالات الإسكان, والماء, والصرف الصحي, والكهرباء, والنقل, والزراعة, والتعليم, فضلا عن سوق فرص العمل.
وقد أجريت هذه الدراسة من قبل مجموعة من الأطباء المتخصصين في مجال الصحة العامة من الكلية الإمبراطورية في لندن بمشاركة جامعة وأين في ديترويت بالولايات المتحدة, حيث تم إجراء تلك الدراسة ومسوحاتها بناءً على مجموعة من الزيارات الميدانية للعراق ما بين الأعوام 2011 و2013.
وحسب البروفسور سلمان الرواف من الكلية الإمبراطورية الذي أدار تلك الدراسة، فقد كانت هنالك محاولات كثيرة بهدف الوصول إلى حلول يمكن ان تساعد على إيجاد الموارد اللازمة لجعل النظام الصحي في العراق اكثر كفاءة، إلا ان دراستنا تظهر ان المخططين والمنظرين الاستراتيجيين لديهم رؤية قاصرة حينما يتعلق الأمر بالعمل المطلوب إنجازه بغية تحسين صور الحياة كافة, الأمر الذي يلعب دورا حيويا في تحقيق تأثير إيجابي على الوضع الصحي للشعب العراقي».
لقد خلص واضعو الدراسة إلى ان أوضاع الإسكان العامة في العراق تعيش ظروفا رهيبة بالنسبة للغالبية الساحقة من الشعب الذي يعيش منه ما يقدر بنصف مليون ضمن أحياء عشوائية.
وفي الوقت الذي تعمد فيه الحكومة إلى بناء ما يقدر بـ25000 وحدة سكنية في العام, فأن الحاجة الفعلية للمساكن تقدر بالملايين. أما البنية التحتية الخاصة بالماء والصرف الصحي فتعد قديمة جدا فضلا عن كونها تمثل مصدرا كبيرا للأمراض التي تصيب الكثير من الناس. وحتى في مدينة البصرة الجنوبية التي تعد من اغنى مدن البلاد بالنفط, فأن مياه الشرب ليست صالحة للاستهلاك البشري.
أما تجهيز الطاقة الكهربائية في البلاد, فلا يزال يعاني مشاكل وقصورا كبيرا, لاسيما والعراق يقف على أعتاب فصل الصيف الحار, الأمر الذي يدفع العراقيين للحصول على الكهرباء البديلة من أصحاب المولدات الأهلية المحلية التي تتميز بضوضائها وتلوثها الذي يزيد من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكاربون.
كما ان الشوارع في المدن العراقية تعاني من ظروف سيئة وزحامات مرورية وحوادث بنسب عالية لا يكن قبولها. أما التهديدات المتمثلة بالقنابل والتفجيرات وهجمات الإرهابيين ضد الأسواق والمقاهي ودور العبادة, فأنها مستمرة ودون انقطاع.
في واقع الحال, فان الإرهابيين عمدوا إلى تكثيف هجماتهم خلال العام الحالي 2014, وبوتيرة مركزة ما قبل وبعد انتخابات الـ30 من نيسان الماضي العامة التي تعد ثالث انتخابات تخوضها البلاد منذ الغزو الأميركي ربيع العام 2003.
كما خلص واضعو الدراسة إلى ان قطاع الزراعة العراقي ليس قادرا على تغطية احتياجات السوق المحلية بالمواد الغذائية الأساسية, فضلا عن كونه يعاني بشكل حاد من نقص البنية التحتية والتكنولوجيا الحديثة.
وفي هذا السياق, يقدر برنامج الأغذية العالمي بأن 22% من الأطفال العراقيين دون سن 5 سنوات يعانون من سوء التغذية بصرف النظر عن تلقي معظم العوائل العراقية لتجهيزات الحصة التموينية الشهرية من الحكومة.
في سياق متصل, فأن الأمية انخفضت بعض الشيء في العراق مقارنة بالدول الاخرى في المنطقة, حتى مع انفاق الحكومة المستمر على هذا الجانب الذي يعرقله واقع الفساد المستشري في البلاد. أما البطالة, فأنها تقف عن معدلات مرتفعة نسبيا.
وعن هذا الموضوع, يعلق البروفسور الرواف قائلا «ان العيش في عراق اليوم ليس بالأمر السهل أبدا, إلا ان الصور ليست قاتمة ومظلمة بمطلقها. ان الاستثمارات الضخمة الرامية لتطوير وتحسين الواقع الصحي في البلاد, سواء من خلال الجهود المحلية أو الدولية, تعد واعدة جدا لكن مع حاجة بالغة الشدة لإسهام مقابل ومساوي في القطاعات الاخرى التي تمس حياة الناس وتؤثر على المستوى الصحي بشكل مباشر».
كما ختم البروفسور الرواف قائلا «ان موارد العراق الطبيعية والبشرية الوافرة يمكن ان تمثل قاعدة قيمة لانطلاق عملية استعادة اقتصاده وتماسك نسيجه الاجتماعي. ولاشك ان ذلك الإسهام العراقي يمكن ان يكون بناءً وقيما في عملية البناء الإقليمي للمنطقة إجمالا».
* عن «ذي ديلي ساينس»

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة