عامر القيسي
اعتقد ان افضل عقوبة يمكن ان توجه لعراقي هي ان يراجع احدى دوائر دولتنا لاي شأن من شؤون الحياة، وخصوصا تلك التي تتمتع «بجماهيرية « عالية .. في تلك الدوائر يكتشف العراقي حقيقة دوائر الدولة ، من فقدان الانسيابية الى وسطاء الفساد المالي مرورا بعدم الاحترام الزائد واوضاع تلك الدوائر التي تحولت ممراتها الى مكبات للنفايات والحفر التي، تشبه حفر الشوارع العامة «الجديدة» !
منذ اللحظة الاولى والخطوة الاولى لدخول المواطن تبدأ المعاناة الحقيقية التي تفوق معاناة شخوص عوالم كافكا طيب الذكر، ويبدأ الاكتشاف الكوني من ورقة واحدة لاتتحرك من طاولة الى طاولة الا بقدرة قادر، ومن قسم الى قسم الا بالشافعات ..
والشافعات انواع .. كأن تكون لك معرفة بالمستوى المطلوب ، وهي معرفة ، ان كانت نظيفة، فهي تدلك الى الطريق « السليمة» لانجاز معاملتك على أكمل وجه من دون منغصات ولا تأخيرات ولا تسمع فيها العبارة العراقية التأريخية « تعال باجر» والاكثر احتمالا مع ارتفاع نوع الضغوطات « تعال بعد اسبوع» ..
وتضطر من اجل ان تتخلص من الخانق الذي دخلت اليه ان تبحث عن سماسرة «التسريع» الذين لديهم قائمة بالمبالغ التي عليك دفعها على وفق تسعيرات محددة ومعلومة ومدروسة بعناية وعلمية ، وشطارتك وحدها هي االقادرة على الدخول في مساومات تخفف «المعلوم» وتسرع العمل واختصار الزمن ..
والحالة ليست فردية ولا تخص دائرة محددة بعينها ، والقناعة المتولدة لدى جمهور المراجعين ان التأخير متعمد و» اكتشاف» النواقص قضايا مفتعلة لاجبارهم على ان ينصاعوا لشروط «لعبة» انجاز المعاملات ، ولا حاجة لضرب الامثلة ، فبعض الدوائر ان لم يكن جميعها ، يعرف مدراؤها هذه الاجواء والبعض منهم يجهد نفسه لتقليل نسب التلوث فيما البعض الاخر منخرط في هذه اللعبة القذرة الى نهاياتها، والنمط الاول من المدراء تواجه محاولاته غير الحازمة بمافيا من النوع الصقلي على الطريقة العراقية !!
ولانعمم بالنسبة للموظفين في الاقل فمنهم من يمارس واجباته بصورة طبيعية ويشم ماحوله من روائح كريهة لكنهم من القلة الى الدرجة التي تنطبق عليهم مقولة من «لاحول ولا قوة لهم»..
والشعارات الجميلة المرفوعة في اقسام دوائرنا «مجرد كلام « ومقولات مثل «لعن الله الراشي والمرتشي» مرفوعة لرفع العتب، اما هواتف الشكاوى وصناديقها فكلام من اختصاص الماضي ،والردود ان حصلت فهي في خانة اللجان التحقيقية التي تضيع هي ايضا في متاهات الزمن كما هي معظم التحقيقات التي تفتحها الحكومة لقضايا اكثر خطورة في البلاد ..
الكثير يشعر باليأس من اصلاح الحال والاكثر من هو موقن ان الاجراءات المتخذة عاجزة وغير قادرة على معالجة سرطان من هذا النوع والمطالب هي ثورة ادارية في دوائر الدولة ..
ثورة على من وضد من ومن يقودها ويفجرها ، مادامت هذه المافيات ترقص على ايقاعات «اذا كان رب البيت على الدف ناقر.. فشيمة اهل الدار كلّهم الرقص»..
واقتراحي للسادة القضاة ان يستعملوا هذا النوع من العقوبات لاني موقن ان النتائج ستكون ايجابية ، وسيعود المدان ليترحم من القضاء ان يزجه خلف القضبان لانها الاروح والانسب لقضاء مدة العقوبة من الدوران في دوائر الدولة التي تدخلها ولا تعرف كيفية الخروج منها !!