من خواطر الشعراء

-1-

للشعراء عالمهم الخاص الذي يتميزون به عن سائر الناس ،

وأهم مفردات ذلك العالَم رهافةُ الحس ، وإبرازُ الافكار في قوالب مموسقة تدخل القلوب بلا استئذان …

-2-

إنّهم ينقلونك من المشهد الرتيب الى مشهد جديد يضفون عليه مِنْ براعاتهم ما يجعلُهُ مشهداً أخّاذا ، يدعوك الى أنْ تقف عنده ، وتغوص في ملامحه ومعانيه …

انَّ حمل العصا من قبل كبار السن مشهدٌ مألوف ، ولكنَّ الشاعر يضفي عليه من المعاني ما يتجاوز به كل تلك المعاني المعروفة 

اسمع احدهم ماذا يقول :

حملتُ العصا لا العجزُ أوجبَ حَمْلَها 

عليّ ولا أنّي انحنيتُ مِنَ الكِبَرْ 

ولكنّني عوّدتُ نفسي حَمْلَها 

لِأُعْلِمَهَا أنّي مقيمٌ على سَفَرْ 

وهكذا اتخذ الشاعر من عصاه مُنَبِها يُبعد عنه الغفلة والنسيان ويثير فيه اليقظة والتأهب لليوم الموعود .

-3 – 

وارتفعت بعض الأصوات المشبوهة أيام معارضتنا للدكتاتورية البائدة، تدعو الى التفاوض مع الجزّار بعد أنْ مُنِي بالهزائم، بعد غزوه المشؤوم للكويت، وهنا انطلق الشعر ليؤكد ان (الرفض) للطاغوت هو ( الفرض ) الذي لا محيص عن الالتزام به …

ومما قلناه في هذا الباب :

لا لَنْ أَمّدَ يدي لجلاّدِ 

العراقِ ولَنْ أُفاوِضْ

لا لَنْ أبيعَ هُويتي 

فأنا عراقيٌ مُعارِضْ 

هيهاتَ أخدعُ بالسراب 

ولستُ خلف الوهم راكِضْ

وهتفتُ أنّ (الرفضَ) للطاغوتِ 

مِنْ أسمى (الفرائِضْ) .

وقلنا كذلك :

قالوا : اغنموا ضَعْفَ النظامِ وفاوِضُوا 

ونَسَوْا بأنّا للطغاةِ (روافِضُ) 

هيهات أن نحسو كؤوسَ مَذلةٍ 

والبحرُ من دمنا المزمجرِ فائِضُ

ويعانقون الوغد علماً منهُمُ 

أنَّ الدعيَّ لكّلِ عَهْدٍ ناقِضُ

وتُداف بالعسلِ السمومُ ولا ترى 

الاّ الشقيَّ لِحَتْفِه يتراكضُ 

-4-

ويسأل أحد الأصدقاء صديقه أنْ يرسل له صورته الشخصية، وكان صاحبنا ذا أَنْفٍ كبير ، فأرسل صورته مع بيتين طريفيْن قال فيهما :

ايها الطالبُ رسمي 

ناظِراً فيه لِوَصْفي 

كلّما أثبتُّ حُسنا 

قال أَنفِي : أنا أَنْفِي 

وهكذا يعترف بكبر أنفه ،ويشير الى آثاره السلبية على جمالية الصورة، يفعل ذلك بكل اريحيّة ودون توقف ..!!

-5-

وقد دعيتُ مرّة الى ملتقىً يُحاضُر فيه أحدُ المشاهير، فاسرعتُ ألبي الدعوة، ولكنني صدمتُ بعد الحضور بما سمعتُه منّهُ حيث كان بارداً للغاية برودة تُثير الاشفاق ، فقلت :

أتيتُ في لهفةٍ أرتادُ مجلِسَهُ 

والمرءُ للعلمِ والآدابِ مجذوبُ 

فما شفى مِنْ غليلِ (الصدر) ظامِئَة 

والثلجُ في الماءِ لا في البحثِ مطلوبُ 

-6-

وصوّر الدكتور صباح جمال الدين في احدى طرائفه حاله فقال :

أُقسمُ بالبارئِ والفردِ الصَمَدْ 

لو بعتُ أكفاناً لما مَاتَ أحَدْ 

راجع الروض الخميل للدكتور المرحوم 

السيد جودت القزويني ج8 /ص54 

-7-

وكتبت احداهن قصيدة لاستاذها الذي هامت به حُبّا ، جاء فيها :

وأغارُ إنْ وَقَعتْ عليكَ نواظِرٌ 

فأودُّ لو أطويكَ بينَ ضُلوعي 

ولكن استاذها تغافل عن ذلك 

راجع القصة في المصدر السابق ص 59 

-8-

ويطول بنا المقام لو أردنا الاسترسال بايراد الشواهد والأمثلة وفيما ذكرناه الكفاية .

حسين الصدر 

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة