جيم أونيل
لندن ـ في وقت سابق من هذا الشهر، أطلق الاتحاد الدولي لمنتجي المستحضرات الصيدلانية ورابطاتها صندوق عمل مقاومة مضادات الميكروبات بقيمة تقرب من مليار دولار، لدعم تطوير المضادات الحيوية الجديدة التي تشتد الحاجة إليها. وقد شاركت العديد من كبريات شركات الأدوية على مستوى العالم، وأيضا ويلكوم ترست وبنك الاستثمار الأوروبي، في المبادرة، التي أُعـلِـن عنها عبر عرض تقديمي منسق عالميا جرى بثه بشكل متزامن من أوروبا والولايات المتحدة.
يعرب أعضاء وممثلو الاتحاد الدولي لمنتجي المستحضرات الصيدلانية ورابطاتها عن قلقهم إزاء الندرة المتزايدة للمضادات الحيوية الفعّـالة في مواجهة مسببات الأمراض المقاومة والجديدة. وفي تعليق نشرته صحيفة فاينانشال تايمز للترويج للصندوق الجديد، تستشهد إمّا والمسلي، الرئيسة التنفيذية لشركة جالاكسوسميثكلاين، بالنتائج التي توصلت إليها مراجعة المملكة المتحدة عن الفترة 2014-2016 لمقاومة مضادات الميكروبات، والتي توليت رئاستها. وكما حذرنا آنذاك، فإذا لم تُـعالَـج المشكلة، فإن حصيلة الموتى نتيجة لمقاومة مضادات الميكروبات قد تصل بحلول عام 2050 إلى عشرة ملايين سنويا، مما قد يؤدي إلى خسائر اقتصادية تراكمية تبلغ 100 تريليون دولار.
نظرا لحجم أزمة مقاومة مضادات الميكروبات، فإن الخطوة الأخيرة التي اتخذها الاتحاد الدولي لمنتجي المستحضرات الصيدلانية ورابطاتها لابد أن تكون موضع ترحيب. ولكن يتبقى لنا أن نرى ما إذا كانت هذه الخطوة لتمثل نقطة تحول. في مراجعة مقاومة مضادات الميكروبات، أشرنا إلى الحاجة إلى المزيد من التمويل في جميع مراحل خط تطوير مضادات الميكروبات. على سبيل المثال، في المراحل الأولى، من الواضح أن هناك حاجة إلى حوافز «دافعة» أقوى لتحفيز البحث والتطوير. ولكن هناك احتياج أيضا إلى حوافز «جاذبة» (مكافآت في مقابل النتائج)، مثل محفزات دخول السوق أو ضمانات الحجم لجلب علاجات جديدة من الألف إلى الياء.
في السنوات التي تلت نشر التوصيات النهائية للمراجعة مباشرة، تدفق قدر كبير من التمويل إلى مبادرات المرحلة المبكرة، ومعظمها من حكومات ومنظمات غير هادفة للربح. وكان إجمالي الالتزامات المالية على المسار للوصول إلى الهدف الموصى به من قِـبَل القائمين على المراجعة وهو 2 مليار دولار على مدار خمس سنوات. المشكلة، كما أظهرت تجربة ثمانية عشر شهرا مضت، هي أن مثل هذا التمويل لا يعالج سوى جانب «الدفع» من المعادلة. وفي غياب الحوافز «الجاذبة» الإضافية، فلن يترجم إبداع المراحل المبكرة بالضرورة إلى التطوير والإنتاج بشكل كامل.
في ظل هذه الظروف، ناضلت أغلب شركات التكنولوجيا الحيوية المتخصصة الأصغر حجما والناشئة لمجرد البقاء. ومن الممكن أن يقدم صندوق جديد لمقاومة مضادات الميكروبات شريان حياة للشركات الأصغر حجما العاملة في مجال البحث والتطوير. في اعتقادي أن أحد الأهداف الرئيسية للصندوق سيكون دعم البحث في علاجات مسببات الأمراض الجديدة. ومع ذلك في ظل الموقف الحالي، لم يُـفَـسَّـر إعلان الاتحاد الدولي لمنتجي المستحضرات الصيدلانية ورابطاتها على أنه كفيل بتغيير القواعد، على الأقل إذا حكمنا من خلال أسعار أسهم الشركات المتداولة علنا التي تعمل في هذه المنطقة الصغيرة من البحث.
علاوة على ذلك، أشارت تقديرات المراجعة الأصلية إلى الاحتياج إلى نحو 20 مليار دولار على مدار العقد المقبل لتمويل جيل جديد من العلاجات «لمسببات الأمراض ذات الأولوية»، كما حددتها منظمة الصحة العالمية. وكما لاحظنا فإن هذا التمويل من الممكن أن يأتي من الحكومات أو من الصناعة ذاتها، شريطة أن تكون الحوافز منظمة على النحو اللائق.
يشمل المشاركون في صندوق مقاومة مضادات الميكروبات الجديد بعضا من شركات الأدوية القليلة النشطة في خط التطوير والإنتاج الكامل، ولكن أيضا بعض الشركات غير النشطة. ولكن من سيكمل العمل الذي تبدأه هذه الشركات وشركات أخرى أصغر حجما؟ لا يبدو أن الصندوق، كما جرى تقديمه حتى الآن، يقدم الإجابة على هذا السؤال. وفي غياب حوافز جاذبة جديدة كبيرة من الحكومات، فسوف يعتمد الصندوق على تعهدات جديدة للاضطلاع بكامل عملية تطوير العلاجات الجديدة من شركات الأدوية الضخمة.
لا نستطيع أن نجزم بعد بمدى فعالية المبادرة. يتمثل الاختبار الحاسم في مراقبة كيفية تصرف شركات الأدوية الكبرى عندما يصبح من الواضح أن الصندوق يدعم علاجا جديدا جذابا بشكل خاص. لكي يعمل النظام على النحو اللائق، يجب استحداث عقاقير جديدة عبر جميع مراحل التجارب قبل السريرية والسريرية، ثم إتاحتها للناس (والحيوانات) في مختلف أنحاء العالم.
ونأمل أن يبدأ الصندوق عملية متسارعة لحل فشل السوق الخطير المزمن. ويتعين على صناع السياسات أن يقوموا بدورهم لخلق بيئة داعمة للإبداع والابتكار، ولا تزال شركات الأدوية الكبرى في احتياج إلى توضيح استخدامات الصندوق على وجه الدقة، من حيث مساهماته في مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات وغير ذلك من التحديات الجماعية.
لا نزال في الأيام الأولى، ولا نعلم على وجه الدقة بعد كيف قد يدار الصندوق. كحد أدنى، لا شك أن مساهمات الشركات المقدمة حتى الآن تمثل التزاما جديدة من صناعة كنت لفترة طويلة أنتقدها لعدم تطوير وتصعيد جهودها. والآن تبدي شركات الأدوية الضخمة الاستعداد للاضطلاع بدور أكثر نشاطا في جلب مضادات حيوية جديدة إلى السوق.
هناك إشارة واعدة أخرى تتمثل في قانون اشتراكات مضادات الميكروبات الرائدة المقترح لإنهاء المقاومة المتصاعدة، والذي من شأنه أن يؤسس إطارا لتعويض صانعي المضادات الحيوية الجديدة (إلى حد معين). في حال إقرار القانون، فإنه سيمثل تطورا بالغ الأهمية في حد ذاته، لكنه سيفرض أيضا ضغوطا إضافية على دول أخرى ــ في أوروبا وآسيا ــ للقيام بالمثل.
في هذا الصدد، تتمثل علامة مشجعة أخرى في التزام إيمر كوك، المديرة التنفيذية القادمة للجمعية الطبية الأوروبية، بجعل مقاومة مضادات الميكروبات على رأس الأولويات. ويجب أن ينضم إليها صناع السياسات الآخرون في أوروبا من خلال إطلاق المبادرات لإنشاء حوافز جاذبة أقوى للشركات ضمن اختصاصاتهم.
عندما استحوذت جائحة كوفيد-19 لأول مرة على انتباه العالم، لم يكن من الواضح في نظري ما إذا كان ذلك ليساعد أو يعوق الحرب ضد مقاومة مضادات الميكروبات. ولكن الآن وقد تبنت العديد من الحكومات والشركات والمنظمات روح عدم إهدار فرصة الأزمة، لا نملك إلا الأمل في أن لا تكون مبادرة الاتحاد الدولي لمنتجي المستحضرات الصيدلانية ورابطاتها الجديدة هي الأخيرة من نوعها.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
جيم أونيل رئيس مجلس إدارة جولدمان ساكس لإدارة الأصول سابقا، كما شغل منصب وزير الخزانة في المملكة المتحدة سابقا، وهو يتولى منصب رئيس تشاثام هاوس حاليا.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org