يوسف عبود جويعد
أن حركة الإبداع الادبي، متصلة بشكل تام مع حركة النقد والتطورات التي حدثت، ومثلما أن النتاج الأدبي الابداعي قد مرَّ بمراحل متعددة وشهد موجة تجديد ودخل في عوالم الحداثة، فمن الطبيعي أن يشهد النقد تطوراً ملموساً، وأن يتحرك ويتفاعل ليتلاءم وينسجم ونوع وكم الانتاج الادبي، في الرواية، والقصة القصيرة، والشعر، والمسرح، وأن يستحضر ادوات نقدية جديدة تدخل ضمن التحاليل المطلوبة لتلك النصوص. فقد تبين للناقد أن المناهج والنظريات الواحدية، مثل البنيوية والتفكيكية، والسيميائية، والخطاب، وغيرها من النظريات التي اعتمدت نظرة وأطار يعتمد على تقنياتها وأدواتها المستخدمة فيها لتحليل النصوص، والتي لا يمكن له فيها أن يخرج من الدائرة التي تشكل الالتزام بتلك النظريات، وعلى سبيل المثال لا الحصر، أن النظرية البنيوية وهي واحدة من أكبر النظريات التي شملت شؤون الكتابة واللسانيات، تعتمد في عملها على البنيويات التي تشكل وتكّون والعلائقية التي تربط تلك البنيويات ببعضها، وتبتدئ من بناء الكلمة الواحدة، ثم الجملة، ثم المقطع، ثم النص، لتنتقل الى العناصر والادوات التي تستخدم فيه، مثل بنية العنونة، وبنية الزمان، وبنية المكان، وبنية الشخوص، وبنية الثيمة، وهي بذلك تقوم ببناء النص من جديد وفق الادوات والتقنيات المستخدمة فيه، ولا يمكن للناقد البنيوي، أن يخرج من تلك الدائرة ليستحضر أي نظرية أو منهج أو أي حالة وظفت ضمن متن النص الى التقنيات البنيوية، وبهذا فإن عملية انفتاح النص الادبي الابداعي، لا يمكن أن يحلل بذات المساحة التي ارادها كاتب النص أن تكون ووظفها ضمن البناء الشامل املاً من الناقد استكشاف ذلك الا الناقد البنيوي لا يجد لها مدخل يمكن أن يولج إليه لتحليل تلك الإضافات لأنها خارج المفهوم العام للنظرية البنيوية، وهكذا فإنه واعني بذلك الناقد البنيوي سوف يضطر الى إغفال الكثير من العناصر والادوات التي ضمها النص، وتبقى خارج دائرة التحليل.
أن النظرية البنيوية أشبه بعملية إعادة بناء النص من جديد، وعندما تنتهي مهمة البناء، ينتهي دور الناقد، وتنتهي مهمته، ليبقى ما يحتويه النص من ادوات وعناصر جديدة وحداثوية مهملة، حيث لا يمكن له أن يستخرج معالم الجمال الفنية للنص، برؤية شاملة، ولا يمكن له أن يظهر تراكيبه الفنية التي هي خارج تحليله البنيوي.
أمام التفكيكية، فهي عكس النظرية البنيوية، وهي تقوم بتفكيك النص، وكشف ما ظهر من استكشافات خلال عملية التفكيك، وتلك النظرية تفك ولا تبني، أي أنها تترك النص مفككاً دون إعادة بناءه من جديد، وتلك النظرية يمكن لها أن تدخل للتفكيك، لكنها لا تستطيع أن تقوم بأي مهمة أخرى تتعارض وتقنياتها وادواتها وإطارها العام.
وكذلك حال النظرية السيميائية، وهي علم الإشارة، ومهمتها استخراج الإشارات السيميائية في النص، ولا يمكن لها أن تقوم بدور بديل غيره، فيكون البحث والتحليل للنص وفي ما تقتضيه هذه النظرية، وهي تعمل ضمن إطارها وادواتها ولا تقبل أي دخيل.
أما نظرية الخطاب الادبي، فإنه يعمل على استكشاف أنواع الخطابات المضمرة داخل النص، الخطاب الادبي، الخطاب الانساني، الخطاب الاجتماعي، الخطاب السياسي وغير ذلك.
وبهذه الرحلة المختصرة والقصيرة لكبريات النظريات الادبية، وجد الناقد الحديث ضرورة قصوى بخروجه من تلك النظريات ودوائرها، نحو عالم أكثر رحابة ليكون التحليل النقدي، أكثر شمولية، وأكثر أهمية، وهذا لا يعني أن تلك المناهج والنظريات لم تؤدي دورها ضمن العملية النقدية، ولكن وحدها لا تكفي لإظهار النص الادبي الابداعي بشكل شمولي، وكذلك إظهار الاستكشافات الجديدة المنضمة فيه.
وبما أن النص النقدي يبحث ويحلل المادة الادبية الابداعية، فوجدت أن الانضمام إليه والكتابة بمسحة أدبية نقدية ابداعية، تكون مرتبطة بالنص وتسبح فيه وتظهر عوالمه، باسلوب ادبي قريب منه مع استحضار أي نظرية من تلك النظريات لتكون حاضرة في التحليل النقدي.