علوان السلمان
عوني كرومي. الفن. الارادة الفاعلة لاندماج الفرد بالمجموع، يمثل قدرة الانسان العالية ـ المؤثرة عن الالتقاء ومعانقة ذهن وعواطف الاخر، لذا فهو صيغة من صيغ علاقة الانسان بالعالم، وهو تعبير عن قضية معبأ بها، أذ أن الفن المجمد فن شكلي من دون روح عنده، كون الفن يظهر دوره عندما يكون شكلا لقضية إنسانية.
عوني كرومي الانسان ـ الممثل المخرج المسرحي، مسرحه أداة ثورية أسهمت في عملية التحول الاجتماعي لصالح الأكثرية، فهو فن شديد الاتصال والالتصاق بحياة الناس ووعيهم، لذا يعد (كرومي) واحدا من الفنانين القلائل الذين جددوا الفن المسرحي وجمع بين عظمة الاديب الكاتب والمخرج الديناميكي والممثل المفكر المتأمل في حياة الانسان والانسانية.
أثار بأعماله، كله الجمعي (الكاتب ـ الممثل ـ المخرج ـ الانسان) اهتمام الكثير وتجلى هذا في ترجمة أعماله وما كتب عنها من دراسات ومقالات نقدية، أضافة الى تقديم مسرحياته في شتى البلدان، وبأغلب اللغات (النرويج ـ السويد ـ الدنمارك ـ المانيا ـ هولندا ـ بلجيكا).
أن شكل المسرح عنده نابع من ضرورات فكرية واجتماعية هي وليدة التغيرات التي يعيشها الانسان أذ قال مرة (أن وظيفة المسرح جعل الانسان يفكر بكينونته كي يمتلك القدرة على الحوار من أجل الوصول الى الحقيقة بالاقتناع ويتخذ موقفا مما يعرف فيتحول الى طاقة إبداعية مفكرة، ومنتجة، لذا فهو يبحث في أعماله دائما من أجل ايجاد انسان يفكر وينتج ويسأل، لكون المسرح عنده وسيلة أنعاش عقلي تنويري يجب أن يحطم أي أيهام بالواقع حتى تكون لدى المشاهد قدرة على النقد والتغيير ..لذا كان بريشتي المنهج ..
عوني كرومي، صنيعة رجال الثقافة والادب والمسرح، فهو من الذين جمعوا بين الدراسة والتدريس والتجربة المسرحية لأكثر من أربعين سنة، وهو الابن البار لجعفر السعدي (شهيد الثقافة العراقية) وابراهيم جلال وحقي الشبلي وسامي عبدالحميد وبدري حسون فريد، والناقد الدكتور علي جواد الطاهر وآخرين، والوفي ليوخيم بنياخ وميلر وماكفارت وبرتولد بريخت، والصورة المثلى لطالب، عاشر جدران محطات دراساته وخشبة المسرح في (معهد الفنون الجميلة وأكاديمية الفنون الجميلة والمسرح الشعبي العراقي والفن الحديث في بغداد والبصرة وجامعة همبولدت في برلين واليرموك في أربد والمعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق.
عوني كرومي، ولد في المسرح والى المسرح والدراسة في قلعته (المانيا) وتحديدا برلين التي تعيش قمة الجدل والصراع، لذا كان متعبدا فيها، لأنه القانون الحياتي الذي يعشقه لكونه يضعه مع الحقيقة واحدا.
لقد حاول (كرومي) تطبيق أفكاره في الكتابة والاخراج والتمثيل، فكان يعد كل جزء مستقلا بذاته ويمثل لذاته، لذا كانت تجربته فذة غنية تحاول التوفيق بين الشكل والمضمون الاجتماعي، وبهذا أصبح من المشاركين في تشكيل رؤية صحيحة لفكرة المسرح وشكله، على أن تخدم هذه الرؤية في التعبير عن احتياجات الانسان المعاصر، فأعماله التي يختارها كانت للإنسان ومن الانسان، فهي ذاته وقلقه ووجوده وطموحه وما يدور في ذهنه من أسئلة، ورائعته (غاليلو غاليلي) تقدم خلاصة وعيه ورؤاه، اذ الصراع بين قوة السلطة وحقيقة العالم.
عوني كرومي الذي تخرج من كلية الفنون الجميلة قسم المسرح عام 1970 تفرض أعماله نفسها، وتشهد له بجديتها لكونها تثير المهتمين فتؤهله كي يكون أحد أفراد البعثة لدراسة المسرح في ألمانيا، فيغادر العراق بعد أن تربى في فضاء المسرح الشعبي، وأحضان الغائب الحاضر جعفر السعدي. إذ كان كرومي متعبدا في محراب مسرحه، فهو المرتاده كل مساء لغرض خزينه الابداعي وأفكاره، وهناك يكمل دراسته المسرحية العليا في جامعة (همبولدت) الالمانية ويحصل على الماجستير (علوم مسرحية) عام 1972 فالدكتوراه في الجامعة نفسها الاختصاص نفسه، بعد أن كان خزينه الفكري مسافرا معه، والذي تمثل بأساتذته المسرحيين ـ شيللر، وغوته، وماكس راينهاردت، وبرتولد بريخت، ونتاجه الذي قدمه وكتبه ومشاريعه الفكرية. …
وفي عام 1977 يعود كرومي الى بغداد وهو معبأ بالمسرح البريشتي والتغريب. يعود حالما بثورته التجديدية، حمامة سلام فرشت جناحيها الوديعين كي تظلل الاخرين مع ابتسامة الامل التي لا تعرف اليأس، فيشرع بتقديم أعماله على قاعات أكاديمية الفنون الجميلة نظرية وتطبيقا، اذ كان في الصباح أستاذا منظرا، وفي المساء مخرجا وممثلا، وقد أخرج أكثر من سبعين عملا مغترفا من التراث منها: (رثاء أور، ومأساة تموز، وتساؤلات مسرحية، والقائل لا.. القائل نعم، وتداخلات الفرح والحزن، وفوق رصيف الرفض، والغائب، والانسة جولي الانسان الطيب في ستسوان، وترنيمة الكرسي الهزاز المسيح يصلب من جديد، والسيد والعبد، ومسافر الليل) فكانت محطات شاهدة على ابداع عقل لا يعرف النضوب، وأنامل لا تعرف السكون.عوني كرومي، مخرج ومؤلف وممثل ومترجم اعتمدت مؤلفاته مناهج في المعاهد العربية والأجنبية.
مطبوعاته (طرق تدريس التمثيل، وفن التمثيل، والمسرح المدرسي، والمسرح الالماني المعاصر، وغوته، وفاوست) شاهد على ذلك.
مارس عوني كرومي التعليم في عدد من الجامعات العربية والالمانية ثورة مسرحية عارمة، مسالمة حملت شعلة السلام ورفعت يدها احتجاجا ضد الحروب، لأنها ترى الحرب دمار للذات والانسانية والوجود البشري وكل شيء جميل والشاهد (ترنيمة الكرسي الدوار) في الثمانينيات، لذا كان مسرحه لا يكتفي بتفسير العالم، بل يعمل على تغييره، وهذا سر عظمة أعماله.
عوني كرومي بناء مسرحي جديد في عالم متجدد، ومتغير باستمرار لا يعرف التوقف، لذا فهو قوة ديناميكية تعبر عن التوتر والقلق في حياتنا، باعتبار هذه الحالة، جزء لا ينفصم عن عالمنا، لذا كان اهتمامه بالمختبر المسرحي، أذ أنه يرى أن المختبر المسرحي تجربة يحصل عليها المشارك من خلال تفاعله الحر مع مجموعة العمل، فلا يخضع لتقاليد وعادات أكاديمية، أنما هو بحث دائم ومتواصل ووعي كامل بمعرفة أدوات الفنان الذاتية والجسدية والذهنية والصوتية والفكرية، ومسرح الستين كرسي دليل تطبيقي لمختبره المسرحي.