الصباح الجديد – متابعة:
الكتابة على الجدران أو الغرافيتي (بالإنجليزية:Graffiti) تلك الرسومات أو الأحرف على الجدران وغالبا ما يستعمل هذا الفن بالبخاخات، وترجع أصولها للحضارات العتيقة (قدماء المصريون والإغريق والرومان وغيرهم).
يعتقد أن ممارسة الغرافيتي موجودة منذ قديم الزمان ، أيام الحضارة الفرعونية و الأغريقية و الرومانية.
تطور الغرافيتي عبر الزمن واليوم يسمى بالغرافيتي الحديث، ويعرف بالتغيرات العامة لملامح سطح عن طريق استعمال بخاخ دهان أو قلم خط أو أي مواد أخرى.
نشأ فن الغرافيتي الحديث في الستينيات من القرن الماضي في نيويورك بالهام من موسيقى الهيب هوب .
رسم الغرافيتي على سطح عام أو خاص من دون الحصول على إذن من مالك السطح، او بإذن حكومي، من الممكن أن يعد نوعا من التخريب، والذي يعاقب عليه القانون في معظم دول العالم.
يستعمل الغرافيتي غالباً لإيصال رسائل سياسية و اجتماعية، وايضا كشكل من أشكال الدعاية. ويعد أيضاً أحد أشكال الفن الحديث، ويمكن مشاهدته في صالات العرض العالمية.
تتألف كلمة «غرافيتي» من عبارتين «التاغ» و»الغراف». تعني الكلمة الأولى التوقيع المُشفر لفنان الغرافيتي، وتعني عبارة «الغراف» الرسومات.
تمتد أصوله في نظر كثيرين إلى فترة ما قبل التاريخ حين كان الإنسان الأول يعبر عن مخاوفه وأفكاره على شكل كتابات غامضة، ورسومات تتبع سياقاً عاطفيا منفعلا.
نذكر من تلك الأماكن التاريخية مغارة «لاسكو» و»تاميرا» كما عُثر لاحقا على بعض الرسومات والنقوش لشعوب بلاد ما بين النهرين، وشمال الجزيرة العربية، كما كان معروفا في الحضارة الفرعونية.
انتشر هذا الفن في أحياء هارلم السوداء، وارتبط بجيل المراهقين والشباب الذين لا تتعدى أعمارهم غالبا الخامسة والعشرين، والذين تدفعهم رغبة عنيفة إلى تنفيذ كتابات مضادة للسلطة القائمة، وإلى مخالفة السائد بنحو فاضح من حيث الألفاظ المشينة أو الرسومات الإباحية. ويلعب عامل الرغبة في إثبات الوجود وتحقيق الاختلاف، عن طريق الإشهار البصري، دوراً كبيراً في انتشار هذه الظاهرة.
تقنيا يعتمد هذا الفن بنحو أساس على الرسم ببخاخات الأصباغ متعددة الألوان بخفّة على الجدران العامة في شوارع المدينة، خاصة تلك التي تقع في زواريب شعبية. كما يستعمل فنانو الغرافيتي أغطية كرتونية للتحكم في مساحة الرش، وأقلاما تنتهي بالإسفنج.
غير أن هذا الفن»الظاهرة» ما لبث أن امتد إلى الحدائق العامة ومحطات المترو والساحات العامة. إثر هذا الامتداد، بدأ فن الغرافيتي يشكل أزمة حقوقية ومادية (قبل أن يتحول لاحقا إلى خطر داهم يهدد كيان السلطات وما تمثله كما بات الحال إبّان الثورات العربية).
كلّف الفن الغرافيتي حتى يومنا هذا دولاً كثيرة كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا أموالاً طائلة لتنظيف الجدران والممتلكات الخاصة من كتابت ورسومات الغرافيتيين.
تردّ فئة من التربويين، والمرشدين الاجتماعيين العرب والأجانب عمل الغرافيتي إلى جملة من الأسباب أهمها عدم النضج «فالشباب سينضجون يوما ما ويتوقفون عن الخربشة على الجدران» أو أن «دافع التخريب هو سبب ظهور للغرافيتي»، أو حتى «أن الغرافيتي نتيجة سوء تربية من الصغر».
ربما تحمل الأسباب المذكورة آنفا شيئا من الطرافة إذ أنها تهمل صوابية ما جاء على لسان أحد الغرافيتيين مجهولي الهوية حين قال «إن أردت أن تعرف ما يجري في مدينة من المدن، انظر إلى جدرانها».
الغرافيتي «الأصيل» يشبه إلى حد كبير ما تركه الطلاب الفرنسيون على جدران باريس في أثناء ثورة أيار 1968 وما رأيناه ونراه على جدران سوريا، ومصر وتونس، ولبنان أيضا وإن تميز الأخير باختلاف نوعي مردّه مناخ الحرية الذي اعتاد عليه، وإن كان قد أصبح اليوم مناخا صوريا.
وما يميز فن الغرافيتي اللبناني أنه أكثر تهكماً وفيه أجواء عبثية ما، كما أنه يتمتع ببرودة ذهنية راكمها عبر السنين.
لا يقتصر الغرافيتي على التعبير عن النقمة الشعبية أو الثورة على النظام، بل نراه يشغل مساحات وجدرانا تنطق بالأزمات الشخصية، أو السخرية على الذات وتفريغ الحمولة النفسية بصورة وقحة أحيانا، وأحيانا بمنتهى الشعرية أو الطرافة المباشرة.
يجد البعض ان الأعمال التي تقتصر على أقوال مكتوبة بعفوية تنتمي انتماء حقيقيا إلى فن الغرافيتي أكثر من انتماء «اللوحات» المرسومة على الجدران بتأن وفن.
غالبا ما يكون مصدر هذه الكتابات العفوية على الجدران فئة مضطهدة، أو فقيرة، أو مجرد «بوهيمية». هي صورة عمّا يحدث في المدينة غير الازدهار والإعمار والتسوّق. نذكر منها سيلاً من الأمثال في شوارع بيروت، و»الأوتوسترادات» التي توصل المناطق ببعضها البعض قلبا وقالبا: «مقهى الصرصار دلهون»، «الحياة جزرة كبيرة»، «إنتِ فلتر حياتي»، «ليش ما في كهربا؟»، «شعبي نعسان»، «يا مُربعي الصادم»، «قلبي من الحامض لاوي، لا مين شاف ولا مين دري» الخ… الحقيقة أن هذا النوع من التعابير حين يتطور أو ترافقه صور يشكل ما يمكن تسميته بالغرافيتي اللبناني الذي تأثر بالأسلوب السائد في نيويورك الثمانينيات، في حين استنبط فنانو الدول العربية الأخرى أسلوبهم من الخط العربي الطيع الذي عده الكثير من فناني الغرب خطاً فنياً بامتياز.
استطاعت بعض الدول «ترويض» الفن الغرافيتي عبر سنّ القوانين التي تغّرم الغرافيتيين وصولا إلى زجهم في السجن. كما اعتمدت أساليب أكثر «لطفا» أو «خبثا» وذلك عبر تنظيم مهرجانات وتخصيص جوائز للفنانين بعد تخصيص أماكن محددة لهم لكي يرسموا عليها كل ما يريدون وضمن «اللياقة والحدود» التي تفترض ضمنا عدم التعرض للأنظمة السائدة والنافذين في المجتمع.
يقول فنان الغرافيتي روبرت بانسكي «يقال إنك تموت مرتين. مرة حين تتوقف عن التنفس، ومرة حين يتلفظ أحدهم باسمك لآخر مرة».
الغرافيتي الفرنسي من اصل التونسي «السيد (ال سيد)» يُعد مؤسس ما يعرف بفن الكاليغرافيتي، بخليط من الخط العربي وفن الغرافيتي. تعلم على يد اثنين من أشهر الخطاطين العرب في العصر الحديث، هما حسن المسعود ونجا المهداوي. بدأ فن الغرافيتي الخاص به منذ أواخر التسعينيات، وسجل منذ ذلك الوقت كثيراً من اللوحات الفنية التاريخية على جدران مدن عربية وغير عربية، كان آخرها رسم عملاق على أكثر من خمسين بناية في شارع منشية ناصر في القاهرة، وهي لوحة متكاملة تضمن جملة واحدة هي: «إن أراد أحد أن يبصر نور الشمس فإن عليه أن يمسح عينيه». وتأثر به العديد من الفنانين العرب كونه من أقدمهم في هذا المجال.
واخيرا لابد لنا من ان نعرج على الفنانين العراقيين الذين ملؤوا الدنيا وشغلوا الناس بفن الغرافيتي منذ بداية ثورة تشرين «اكتوبر» برسومات وجمل تحاكي معاناتهم ومحبتهم للوطن وايضا مطالبهم.