سوزا.. «سبيشيال وان» بعد التتويج بلقبين
الدوحة ـ وكالات:
لم يكن المنتخب البحريني بالطبع هو المرشح الأقوى للفوز بلقب بطولة كأس الخليج (خليجي 24) لكرة القدم ولكن فوزه باللقب منح هذه النسخة الخليجية لمسة تاريخية بعد بطولة استثنائية في العديد من الأشياء.
وتوج المنتخب البحريني بلقب خليجي 24، التي أسدل الستار عليها الأحد، ليكون اللقب الأول له في تاريخ بطولات كأس الخليج ما منح هذه النسخة ختامًا تاريخيًا بعدما أصبح الأحمر البحريني سابع منتخب يسطر اسمه في السجل الذهبي للبطولة.
ولكن مكاسب المنتخب البحريني من البطولة لا تقتصر على كأس البطولة فقط، كما أن المنتخبات الأخرى التي شاركت في البطولة استفادت كثيرًا من هذه النسخة التي ستظل محفورة في الأذهان.
وقبل أيام قليلة على انطلاق فعاليات هذه النسخة، كانت منتخبات السعودية والإمارات والبحرين على وشك الغياب عن هذه النسخة في إطار قرار المقاطعة من الدول الثلاثة ومعهم مصر ضد قطر في منتصف 2017.لكن المنتخبات الثلاث عدلت عن رأيها في اللحظة الأخيرة وقررت المشاركة في البطولة ليرتفع عدد المنتخبات المشاركة إلى 8 منتخبات وتصبح بطولة كاملة العدد.
كما قدمت هذه النسخة بطلًا جديدًا لكأس الخليج وهو المنتخب البحريني الذي توج باللقب عن جدارة واستحقاق وانتزع لقبًا طال انتظاره علمًا بأن بلاده كانت من المؤسسين للبطولة.
وبهذا، لم يصبح هناك من منتخبات البطولة سوى المنتخب اليمني الذي لم يفز باللقب الخليجي، علمًا بأن مشاركته في خليجي 24 كانت التاسعة له فقط في تاريخ البطولة.
ولم تقتصر مكاسب المنتخب البحريني على المشاركة في البطولة أو الفوز بلقبها بل اكتسب الفريق مزيدًا من الخبرات الجيدة تحت قيادة مديره الفني هيليو دي سوزا الذي يعتبر مهندسًا للطفرة في مستوى الفريق في الآونة الأخيرة.
وأظهرت البطولة مدى عمق وقوة المنتخب البحريني حيث واصل سوزا الاعتماد في كل مباراة على تشكيلة مغايرة لتلك التي يخوض بها المباراة السابقة.
وكان هذا واضحًا وجليًا خلال المباراة النهائية حيث خاض الفريق البحريني المباراة بتشكيلة تخلو تمامًا من أي لاعب ممن شاركوا في مباراة الفريق السابقة أمام المنتخب السعودي والتي انتهت بفوز الأخير (2-0) في الدور الأول (دور المجموعات) بهذه النسخة.
كما خلت هذه التشكيلة الأساسية من أي لاعب كان ضمن التشكيلة الأساسية التي خاض بها الفريق مباراته أمام العراق في المربع الذهبي للبطولة والتي انتهت بالتعادل (2-2) ثم حسمها الأحمر البحريني بركلات الترجيح.
وفي المقابل، وعلى الرغم من خسارته المباراة النهائية، كان مجرد الوصول للنهائي مكسبًا كبيرًا للمنتخب السعودي (الأخضر) في ظل قرار المشاركة التي اتخذ في وقت متأخر للغاية إضافة لغياب العديد من اللاعبين الأساسيين عن صفوف الفريق في بداية البطولة بسبب مشاركتهم مع الهلال السعودي في نهائي دوري أبطال آسيا.
كما كانت البطولة فرصة جيدة ليتعرف الفرنسي هيرفي رينار المدير الفني للفريق على السلبيات في أداء لاعبيه لعلاجها قبل الارتباطات المهمة القادمة وفي مقدمتها تصفيات المونديال لاسيما وأن رينار أكد أكثر من مرة أن هدفه الأساسي مع الفريق هو بلوغ كأس العالم 2022 .
وشهدت البطولة أيضًا تألق أكثر من لاعب سعودي مثل المهاجمين الشابين عبد الله الحمدان (20 عامًا) وفراس البريكان (19 عامًا) اللذين ينتظر أن يكون لهما شأن كبير مع الأخضر في السنوات المقبلة.
أما المنتخب العراقي الذي ودع البطولة الخليجية من المربع الذهبي على يد نظيره البحريني فإنه تشابه كثيرا مع نظيره البحريني من خلال اعتماد مديره الفني السلوفيني سريتشكو كاتانيتش على عدد كبير من لاعبي الفريق.. وساهم في هذا غياب عدد من النجوم الأساسيين عن مباراة الفريق الأولى بالبطولة والتي تغلب فيها على نظيره القطري (2-1) في المباراة الافتتاحية.
ومنح هذا المنتخب العراقي الفرصة لتجربة العديد من اللاعبين الذين حصلوا على الثقة التي ستفيد الفريق كثيرا في ارتباطاته المقبلة.
وفي المنتخب العماني الذي أخفق في محاولته للدفاع عن لقبه ، قفز قائده أحمد مبارك (كانو) إلى المركز الثاني في قائمة أكثر لاعبي العالم خوضًا للمباريات الدولية مع منتخب بلاده.
حيث رفع رصيده خلال البطولة إلى 179 مباراة دولية بفارق خمس مباريات فقط عن المصري أحمد حسن (الصقر) الملقب بعميد لاعبي العالم.وفي المنتخب الكويتي، لم يختلف الحال كثيرًا حيث قفز قائده بدر المطوع إلى المركز الثالث في القائمة نفسها بفارق مباراة واحدة خلف كانو وبالتساوي مع حارس المرمى السعودي الأسطورة محمد الدعيع.
وشهدت هذه النسخة الخليجية رقما قياسيا مميزا خلال منافسات الدور الأول والتي شهدت تسجيل 39 هدفًا في 12 مباراة بمتوسط تهديفي بلغ 3.25 هدف في المباراة الواحدة.
وكان المنتخب القطري هو الأكثر تسجيلا للأهداف في الدور الأول من النسخة الحالية برصيد 11 هدفا مقابل 6 أهداف لكل من المنتخبين السعودي والكويتي، فيما كان المنتخب اليمني هو الوحيد الذي لم يسجل أي هدف واهتزت شباكه 9 مرات ليكون الأسوأ دفاعًا.
وفي المقابل ، كان المنتخب العراقي هو الأفضل دفاعا حيث اهتزت شباكه مرة واحدة فقط في المباريات الثلاث التي خاضها بمجموعته.
ولم يختلف الحال في نهاية فعاليات البطولة حيث ظل المنتخب القطري هو الأفضل هجوما والمنتخب العراقي هو الأفضل دفاعا وإن خرج الفريقان سويا من المربع الذهبي للبطولة.
لا يتمتع المدرب البرتغالي هيليو دي سوزا بنفس الكاريزما التي يصطبغ بها مواطنه جوزيه مورينيو ولا يملك نفس الخبرة الهائلة والسجل التدريبي الطويل الذي يحظى به البرتغالي الآخر خورخي جيسوس المدير الفني لفلامنجو البرازيلي، ولكنه نجح في ترك بصمة تدريبية هائلة في غضون أشهر قليلة.وقبل خمسة أشهر فقط ، لم يكن كثيرون يتوقعون أن يحقق سوزا مع المنتخب البحريني ما عجز عنه أي مدرب سابق مع الفريق.
ولكن سوزا تحدى كل التوقعات وتوج بلقبين متتاليين لم يسبق للمنتخب البحريني (الأحمر) أن أحرزهما من قبل على مدار تاريخه.وفي أب الماضي ، توج المنتخب البحريني تحت قيادة سوزا بلقبه الأول على الإطلاق في البطولات الإقليمية حيث أحرز لقب بطولة كأس أمم غرب آسيا والتي استضافتها العراق.
وبينما علم سوزا بمشاركة فريقه في بطولة كأس الخليج (خليجي 24) في قطر قبل أيام قليلة من انطلاقها، كان المدرب على قدر المسؤولية حيث توج باللقب الخليجي للمرة الأولى في تاريخ البحرين.
وبعد انتهاء المباراة النهائية أمس وفي غمرة احتفالهم باللقب ونشوتهم بالميداليات وكأس البطولة، فاجأ لاعبو المنتخب البحرين الجميع واقتحموا قاعة المؤتمرات الصحفية بستاد «عبد الله بن خليفة» بنادي الدحيل في الدوحة ودخلوا في موجة احتفالية صاخبة أمام مراسلي وسائل الإعلام.
وهتف لاعبو المنتخب البحريني باسم مدربهم البرتغالي لعدة دقائق وحرصوا على تحيته جميعا في تأكيد واضح وصريح على أنه مهندس الفوز باللقب الخليجي الأول للبحرين.والحقيقة أن سوزا أثار جدلا هائلا على مدار البطولة وخاصة قبل انطلاق فعاليات المباراة النهائية.وخلال مبارياته بالبطولة ، سار سوزا على نفس النهج الذي كان عليه في تعامله مع بطولة غربي آسيا حيث لجأ لتغيير تشكيلته عن المباراة التي تسبقها في كل مواجهة يخوضها بأي من البطولتين.
وتوج المنتخب البحريني بهذه الطريقة بلقب كأس أمم غربي آسيا، علما بأن الفريق العراقي كان المرشح الأقوى للفوز باللقب بعد بلوغه المباراة النهائية على ملعبه ووسط جماهيره.
وفي مبارة النهائي تغلب المنتخب البحريني على نظيره السعودي الذي كان المرشح الأقوى للفوز، علما بأن سوزا دفع في مباراة الأمس بتشكيلة لا تضم أي لاعب ممن كانوا في التشكيلة الأساسية خلال مباراة الدور الأول (دور المجموعات) والتي انتهت بفوز الأخضر 2 ـ 0.
كما خلت التشكيلة الأساسية للمنتخب البحريني في مباراة الأمس من أي لاعب كان ضمن التشكيلة الأساسية للفريق في مباراته السابقة بالبطولة والتي انتهت بالتعادل 2 / 2 مع المنتخب العراقي التي حسمها بركلات الترجيح.
والمثير أن التغييرات الهائلة في تشكيلة المنتخب البحريني لا تنم عن أي توتر أو ارتباك أو تسرع في شخصية سوزا الهادئة بل إنها لا تتفق مع مسيرته كلاعب على سبيل المثال حيث قضى مسيرته الكروية كلاعب بأكملها في فريق واحد فقط هو فيتوريا شيتوبال.
ولم يترك سوزا هذا الفريق البرتغالي على مدار 18 عاما هي كل مسيرته الكروية علما بأنه مر بأكثر من كبوة معه حيث هبط الفريق لدوري الدرجة الثانية أكثر من مرة.
وخلال عشر من هذه السنوات الـ18، كان سوزا (50 عاما) لاعبا منتظما في التشكيلة الأساسية للفريق ولم ينازعه أحد على هذا كما حمل شارة القيادة في وقت مبكر للغاية وخاض معه 424 مباراة في الدوري البرتغالي ليصبح أكبر رصيد لأي لاعب مع هذا الفريق على مدار تاريخه.
وكشف سوزا خلال البطولة عن السر وراء هذه التغييرات الهائلة التي يجريها في تشكيلة الفريق بكل مباراة يخوضها مشيرا إلى أنه يثق بجميع لاعبي فريقه وكذلك اللاعبين الذين لم يستطع اصطحابهم معه إلى الدوحة نظرا لأنه مقيد بقائمة تضم 23 لاعبا فقط.
وأكد سوزا أن الفوارق بين لاعبي الفريق ضئيلة للغاية ما يساعده على الدفع بتشكيلتين مختلفتين في المباريات الرسمية موضحا أن هدفه الأول هو أن يستمتع اللاعبون ويكتسبون الخبرات من هذه التجارب القوية.
وبهذا أصبح لدى المنتخب البحريني أكثر من فريق جاهز سيساعد سوزا ومعاونيه في الارتباطات القادمة ومنها التصفيات المزدوجة المؤهلة لبطولتي كأس العالم 2022 بقطر وكأس آسيا 2023 بالصين.
واعتزل سوزا اللعب عام 2005 وهو في السادسة والثلاثين من عمره وذلك بعد الفوز بلقب وحيد مع فيتوريا شيتوبال وهو لقب كأس البرتغال في 2005 ليتجه مباشرة إلى التدريب ليبدأ مسيرته التدريبية مع نفس الفريق وقاده لمركز وصيف البطل بمسابقة الكأس مجددا في موسم 2005 / 2006.. وبعدها تولى سوزا تدريب فريق كوفيليا البرتغالي ثم منتخب البرتغال للشباب ثم عمل خلال السنوات التالية مع منتخبات الناشئين والشباب في بلاده.
وقاد سوزا البرتغال للفوز بلقبي كأس الأمم الأوروبية للناشئين (تحت 17 عاما) وللشباب (تحت 19) عاما في عامي 2016 و2018 على الترتيب.
وبرغم تعاقده مع المنتخب البحريني في أذار الماضي خلفا للتشيكي ميروسلاف سكوب بعد إخفاق الفريق في كأس آسيا 2019 بالإمارات، ظل سوزا مدربا للمنتخب البرتغالي للشباب (تحت 20 عاما) خلال مونديال الشباب الماضي قبل أن يتفرغ بعد البطولة للعمل مع فريقه في أول تجربة تدريبية له خارج بلاده.
وخلال خمسة أشهر فقط، ترك سوزا بصمته مع الفريق وتوج بلقبين ليكون بمنزلة «سبيشيال وان» الكرة الخليجية نسبة إلى مواطنه جوزيه مورينيو المدير الفني السابق لريال مدريد الإسباني ومانشستر يونايتد الإنجليزي والمدرب الحالي لتوتنهام الإنجليزي.