« طفيلي « الحائز على السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي الغوص بعيدا في قاع المدينة الكوري الجنوبي

من عروض مهرجان الجونة السينمائي الثالث

كاظم مرشد السلوم

من بين الأفلام المهمة التي عرضها مهرجان الجونة السينمائي في دورته الثالثة 19-28 سبتمبر 2019، الفلم الكوري الجنوبي « طفيلي « الحائز على جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي في دورته ال 72، حيث يذهب المخرج بونج جون هو ، وكاتب السيناريو هان جن وون، الى الغوص بعيدا في قاع المدينة في المجتمع الكوري الجنوبي، الذي قد لا تصل أخباره الينا او الاطلاع عليه بسهولة، مثلما يمكن ان تفعله السينما.
النظرة العامة للأخرين عن المجتمع الكوري الجنوبي وكذلك المجتمع الياباني، قد تكون قريبة من المثالية، فهناك شعوب منظمة، تحترم النظام، وثمة شرائح مدمنة على العمل، لكن فلمان مهما ، استطاعا كشف الكثير عن قاع المدن في هذه البلدان، والناس المهمشين الذين يعيشون فيها، هما فلم « مسألة عائلية» للياباني هيروكارو كوريدا، وفلم «طفيلي» للمخرج بونج جون هو، حيث يتناول هذان الفلمان ، الواقع الحقيقي للطبقات الفقيرة والمهمشة في تلك المجتمعات، وما يمكن ان ينتج عن هذا الفقر من أفعال قد يبررها أصحابها، كنتيجة حتمية للواقع الذي يعيشون ، وهم ليسوا وحدهم كذلك ، بل يمكن ان يكون كل من يعيش على الهامش، يفعلون الشيء ذاته.

العنوان
طفيلي، كلمة تعني من يعيش متطفلا على حياة الأخرين، واتخاذه كنعوان لفلم، يحيل المشاهد المقارنة والسؤال على من هو الطفيلي في مجتمع رأسمالي، هل الذي يعيش ضمن الطبقات المهمشة، الذي يحاول ان يرتقي بمستوى حياته الى واقع أفضل، ولو تم ذلك بطرق غير شرعية هروبا من شظف العيش، أم هو البرجوازي الذي يهنأ بكل ما يمكن ان يوفره المال له، ولم يكن لذلك أن يتحقق له لولا وجود تلك الطبقة المهمشة والمسحوقة في المجتمع، أنه عنوان أشكالي، قد يترك لك في نهاية الفلم تحديد من هو الطفيلي.

الحكاية
عائلة من أربعة أفراد أب وزوجة وأبن وبنت، يعيشون في قبو يطل شباكه على أسفل الشارع، غالبا ما يتبول السكارى على ذلك الشباك، رائحة نتنة تعودوها، حيث لا نافذة للقبو غير تلك النافذة التي يضطرون لغلقها دائما بسب السكارى، يعمل الجميع في تصنيع علب البيتزا لحاسب احد الشركات التي دائما ما توبخهم على رداءة تلك العلب، رغم ذلك نجد جو من المرح وروح الفكاهة تسود العائلة، هي سخرية مرة من الواقع الذي يعيشون، وبمجرد حصولهم على مبلغ جيد يسارعون للاحتفال.
في زيارة لأحد أصدقاء الابن، وهو مزور ونصاب محترف يقتع الابن على تزوير شهادته للدخول الى الجامعة، ومن ثم يعرض عليه العمل مدرسا لأبنة احد الأغنياء، لتبدأ حكاية استثمار العائلة لقدرتها على التزوير والكذب حتى تسيطر في ما بعد ووفق دسائس تبدأ من الابن ومن ثم البنت التي تعلم كمدرسة فنون لأبن العائلة الذي يعاني من مشاكل نفسية، والتي تعمل هي الأخرى بتلفيق تهمة لسائق العائلة بوضع لباسها الداخلي تحت مقعد السيارة فيطرده رب العمل الغني، وليعمل والدها سائقا بدلا عنه ، مدعيا انه امضى عشرات السنين في مهنة السياقة، ليقوم الأخير بإقناع ربة المنزل الثرية بان مدبرة المنزل مصابة بالسل، فتقوم بطردها ، لتشتغل الأم بدلا عنها، كل ذلك تم بدسائس دون معرفة العائلة الغنية بصلة القرابة بين العاملين الجدد عندهم .
الذروة تحدث عندما تقرر العائلة برحلة للتخييم خارج المنزل، فيستغل الجميع الوقت لقضاء سهرة صاخبة، في صالة المنزل الكبيرة، متناولين الكثير من لمشروبات الكحولية والطعام الموجود في المنزل، لكن وخارج توقعاتهم تطرق مدبرة المنزل السابقة الباب، طالبة دخولها الى قبو المنزل كونها نسيت شيء مهم، لنكتشف ان هناك باب سرداب خفي داخل القبو لا تعرف العائلة الغنية بأمره، لأن مالك المنزل السابق لم يخبرهم به، والذي كان قد بناه خوفا من هجوم نووي من الجارة الكورية الجنوبية، والمدبرة القديمة لم تكن تبحث عن شيء غرض نسيته بل كانت تخبئ زوجها الهارب من الدائنين الذين قد يتسببون في سجنه فيما لو القي القبض عليه.
يتصاعد الفعل الدرامي والأزمات من خلال الصراع بين العائلة العاملة وبين مدبرة المنزل القديمة التي تكتشف حقيقة هذه العائلة وما دبروه لها ولغيرها من العاملين سابقا، الصراع ينتهي مؤقتا بتكبيل الزوج المختبئ ، وقتل زوجته.
وسط حيرة الجميع فيما سيفعلونه بعد تلقي الأم لمكالمة من العائلة المالكة تخبرها بانهم سيعودن بعد دقائق بسبب فيض المطر الذي يهطل، ينجح بقية افراد العائلة في الخروج من المنزل بعد معاناة من الاختباء المذل، وحين يصلون الى القبو الذي يسكنون، يجدون ان جميع المنازل هناك قد غمرتها مياه الصرف الصحي بسبب الامطار الغزيرة، فيخرجون مع بقية السكان الذين يعيشون بذات المستوى الى ساحات إيواء مثل تلك التي تنشأ في الأزمات.
تقرر العائلة الغنية عمل عيد ميلاد لابنها في حديقة المنزل، وتتكفل مدبرة المنزل «الأم» وسائق العائلة « الأب» بالتحضير، بينما يدعى الابن والبنت كضيوف شرف باعتبارهم مدرسين لأبناء العائلة، ليقع الحدث الأهم بضرب زوج المدبرة القديمة للأبن بصخرة على رأسه ، تلك الصخرة التي اهدها صديق الابن الى العائلة كصخرة حظ ،وخروجه من القبو حاملا سكينا كبيرة، ليطعن بها البنت المدرسة، التي كانت تحمل كعكة الميلاد، ليشتبك مع الام مدبرة المنزل التي تنجح في قتله، ويحاول الرجل الثري وسط هذا العنف ان ينقل ابنه الى المستشفى الذي اغمي عليه بعد مشاهدته للرجل الذي قام بهذا الفعل ، والذي كان يعتقد سابقا انه شبحا بعد ان شاهده في احد مرات خروجه من القبو، والذي تسبب بأزمته النفسية، واثناء محاولته اخذ مفاتيح سيارته من الاب « السائق» يقع المفتاح تحت جثة الرجل المتخفي، وحين يأخذه من تحت الجثة، يسد انفه متضايقا من رائحة الرجل، الأمر الذي يدفع بالأب « السائق» الى طعنه وقتله ، نتيجة تراكم الحيف نتيجة تأفف العائلة الغنية من رائحة عائلته دائما، وليهرب ويختفي في ذات القبو الذي لا يعرف مكانه ، وليبعث يعد فترة طويلة برسالة الى ابنه بواسطة «شفرة» موريس من خلال المصباح الخارجي، يعلمه بوجوده.

تأويل النص المرئي
الفلم يحتمل الكثير من التأويل لنصه المرئي، تأويل للصورة وللحوار، فبدءا من نافذة العائلة الفقرة في ذلك القبو التي يتبول عليها السكارى، الى نافذة العائلة الغنية الواسعة والتي تحتل مكان جدار كامل وتطل على الحديقة الجميلة، يعمد يونغ جون هو، الى المقارنة والاشارة الى الفارق الطبقي بين المجتمعات التي تعيش في هذا البلد، ناس تعيش في اقبية، تخرج منها كالصراصير، ففي مشهد فيضان القبو يخرج الجميع مثل الصراصير ، تغطيهم مياه الصرف الصحي القذرة ، بينما يستمتع الاغنياء بنوافذهم التي تطل على حدائق واسعة مستمتعين بمنظر المطر، ممارسين الجنس على وقع زخاته.
العوائل الفقيرة التي لا تستطيع ان تستبدل او تنوع الصابون الذي تغتسل به، تكون رائحة افرادها متشابهة، وقد تكون رائحة الساكنين في الاحياء الفقيرة متشابهة أيضا، هذا ما أكتشفه طفل العائلة الغنية المدلل، حين يقول لأمه ان رائحتهم متشابه، السائق، مدبرة المنزل، المدرس، المدرسة، هذه الرائحة ، والتأفف الدائم منها ، كانت السبب في قتل الرجل الغني من قبل اللاب « السائق في النهاية.
ربما يكون السؤال الأهم الذي يطرحه الفلم ، هل يؤدي العوز والفقر الى ان يكون المرء طفيليا، مزورا، يعتدي على أملاك الغير ، وهي التهمة التي واجهت الام والابن في المحكمة والتي حكمت عليهم بالإفراج الشرطي؟

الاشتغال
خلال 132 دقيقة وهي مدة الفلم، لم يدخر المخرج بونج جون هو جهدا في الحفاظ على تصاعد الخط الدرامي، دون ترك ثغرة ما قد تبعث الملل، متخذا أحيانا من الكوميديا سبيلا الى ذلك، مظهرا في ذات الوقت حسن إدارة لكادر عمله، وقد يكون تعاونه مع في كتابة السيناريو عاملا فاعلا في ذلك.
ربما يكون مشهد الوليمة التي أقامتها عائلة الأب وأولاده في المنزل بعد غياب عائلة المالكة، غير مبرر وغير مقنع في ذات الوقت ، بعد ان عرفنا الذكاء الذي يتمتع به أفرادها خصوصا البن والبنت، وسيطرتهم على ربة المنزل وأقناعها بإمكانياتهم في التدريس.
كاميرا هونج كيون بيو، استطاعت ان تلاحق الحدث برشاقة واضحة، خصوصا في مشاهد فيضان مهرجان الصرف الصحي نتيجة الامطار الغزيرة التي هبطت، في حين كان أداء الممثلين، سونج كانج هو، لي سون كيون، تشو يو جيونج، تشوي ووشيك، بارك سو دام، لي جونج غيون، متفاوتا ربما بسبب أهمية الدور المناط بكل منهم.
أخيرا وبعد المشهد الختامي، ولجوء الاب الى ذات القبو الذي دمر مخططاتهم للسيطرة على بيت السيدة الثرية، هل سيعيش كما الرجل السابق المختبئ فيه ، مثل صرصار او جرذ يخرج ليأكل حين يعم البيت الهدوء، بعد خروج مالكيه الألمان الجدد الى العمل ، أم هل سيتحقق حلم الابن، في العمل الجاد ليتمكن من شراء البيت، حتى يتمكن الاب من استرداد حريته.
ويبقى السؤال الذي يدور في ذهن المشاهد الذي يبحث عن التأويل، من هو الطفيلي؟

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة