أي نظام انتخابي يحقق الديمقراطية؟

القسم الثاني

حميد الكفائي*

النظام الآخر السائد هو ما يعرف بنظام الغالبية المطلقة المتعدد الدوائر، وهو الآخر ليس نظاما واحدا بل يتنوع من بلد لآخر حسب ما يرتضيه مشرعو ذلك البلد ويقبل به الناس. وهذا النظام معتمد في بريطانيا والولايات المتحدة، ومعتمد جزئيا في دول أخرى. في بريطانيا مثلا يطلقون عليه اسما يليق به وهو (الفائز يأخذ كل شيء- Winner takes all)! أي أن هناك دوائر انتخابية يتنافس فيها المرشحون، فإن فاز أحد المرشحين بصوت واحد أعلى من باقي المرشحين فإنه سيمثل المنطقة بينما تذهب الأصوات الأخرى هدرا، ويبقى المصوتون لها دون تمثيل حقيقي. وفي ظل هذا النظام، تسود دائما فلسفة الغالبية على باقي مكونات المجتمع، وفي بعض البلدان، تَقمَع هذه الفلسفة التنوع الثقافي وتهمِّش الأقليات.
في بلدان أخرى هناك نظام أفضل قليلا من هذا بحيث أنه يعتمد الغالبية المطلقة لكنه يضع نسبة من الأصوات يجب أن يحققها المرشح كي يحظى بتمثيل منطقته، كأن تكون النسبة 40%، مثلما هو سائد في كوستا ريكا، وإن لم يحقق أحد المرشحين هذه النسبة، تُجرى جولة ثانية بين المرشحين الأكثر أصواتا، لفرز النائب الأكثر شعبية. في أنظمة أخرى، يخرج الحزب الذي لا يحظى بنسبة 12.5% من الأصوات من المنافسة، كما هي الحال في فرنسا. بعض الأنظمة تضع شروطا كأن يكون الفائز حائزا على غالبية الأصوات مجتمعة، أي أن يكون حائزا على أصوات أعلى من كل منافسيه مجتمعين، فإن لم يحصل على ذلك فإن الانتخابات تعاد ويشترك فيها المتنافسان اللذان حصلا على أعلى الأصوات، بينما يُستثنى المرشحون الآخرون من المنافسة.
بعض أنظمة التمثل النسبي تسمح للناخب أن يختار المرشح الذي يرغب به، بل تسمح لأن يؤشر الناخب على خياراته بين المرشحين، كالنظام الانتخابي في فلندا، لكن استمارات الانتخاب تكون معقدة، وقد تدفع الناخبين للعزوف عن البحث والتدقيق في قائمة تضم عشرات الأسماء، فيلجأوا إلى التصويت للقائمة ككل دون التأشير على خياراتهم من المرشحين. ويسمح هذا النظام الانتخابي المتطور للناخب أن يعبِّر عن رأيه بالمرشحين، ومن منهم الأفضل في رأيه، فيمكِّنُه أن يؤشر على خياراته، الأول والثاني والثالث، كما هو النظام الانتخابي في استراليا، الذي يسمح بنقل أصوات المرشح الحاصل على أدنى الأصوات، كخيارٍ أول، إلى المرشح الأعلى منه، والهدف هو استثناء المرشح الأضعف وانتخاب المرشح الأقوى.
بينما تقيد أنظمة أخرى خيارات الناخب بأن تجعله يصوت إلى القائمة ككل وحسب الترتيب الذي وضعه الحزب للمرشحين، كما هي الحال في أسبانيا. بعض البلدان تخلط بين نظامي الغالبية المطلقة المتعدد الدوائر والتمثيل النسبي، مثل ألمانيا ونيوزلندة وفنزويلا، بحيث يُنتخب نصف أعضاء البرلمان عبر نظام الغالبية والنصف الآخر عبر التمثيل النسبي، بهدف معالجة الاختلال في التمثيل الذي يحدثه نظام الغالبية، واستيعاب المرشحين الذين يتمتعون بقدر من الشعبية. في إيطاليا يُنتخَب ثلاثةُ أرباع الأعضاء عبر نظام الغالبية، والربعُ الآخر عبر النظام النسبي. وتستخدم الدول الديمقراطية أنظمة انتخابية مختلفة في الانتخابات البرلمانية والمحلية والرئاسية.
ختاما، يجب أن تتوفر مقومات الديمقراطية أولا، كي تكون ناجحة وراسخة ونافعة، ومن الضروري أن يلجأ المُشرِّعون إلى اختيار نظام انتخابي يلائم طبيعة البلد السكانية. العدالة تتحقق عبر نظام التمثيل النسبي بكل تنوعاته، وهو السائد عالميا، وبالإضافة إلى كونه النظام الأكثر عدالة، فهو أيضا الأنسب للدول شديدة التنوع، ثقافيا وقوميا وطبقيا، لأنه ينتج حكومات ومجالس تشريعية تمثل كل تلاوين المجتمع، وهذا من شأنه أن يرسخ الاستقرار والتماسك الوطني.

  • كاتب وأكاديمي عراقي
    عن سكاي نيوز

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة