بعد الحملة الصاروخية على قاعدة في سوريا
ترجمة: سناء علي
قال ماكس بوت في مقال له على موقع المجلة إن الرئيس الاميركي دونالد ترامب يتخذ قرارات بشن عمليات عسكرية بناءً على ما يراه على شاشة التلفاز.
ويضيف ماكس أنه من بين كل ردود الأفعال الصاخبة على قصف اميركا موقعًا عسكريًا سوريًا بصواريخ كروز، كان رد فعل أنصار ترامب الذين وصفوا الهجوم بالحاسم هو الأقل إقناعًا.
يرى ماكس أن ما فعله ترامب يشبه الضربات الجوية الخاطفة التي شنها الرئيس الأميركي السابق بيل كلنتون على كل من السودان والعراق وأفغانستان، التي كان الجمهوريون قد عدوها بلا فائدة. وقد عبر عن هذه الانتقادات جورج بوش الابن حين قال « عندما أشن عملًا عسكريًا، فلن أطلق صاروخًا بمليوني دولار على خيمة بجوارها جمل، وإنما سيكون عملًا حاسمًا» .
ولكن يبدو حسب ما اشار اليه ماكس أن « اميركا عادت إلى قصف الجمال. فقرار ترامب بقذف 59 صاروخًا من طراز كروز على موقع عسكري واحد هو عمل أقل بكثير مما كان يفكر فيه سلفه باراك أوباما في عام 2013 لإجبار الأسد على وقف جرائمه. كان أوباما يعتزم شن حملة جوية لتدمير سلاح الجو السوري في عملية خاطفة. لكن ما فعله ترامب هو أنه قصف قاعدة جوية في أقل من يوم. وما لبث النظام السوري أن عاود استعمال القاعدة خلال 24 ساعة. بل إن الطيران السوري عاود قصف بلدة خان شيخون، التي كانت قد تعرضت لقصف بغاز السارين.»
ويرى ماكس أن « ما زاد من ضعف تأثير الهجوم هو أن الأميركيين أبلغوا الروس قبل شنه، فقام الروس بتمرير المعلومة إلى النظام السوري، وهذا يفسر قلة عدد القتلى في صفوف الجيش السوري. ربما تمثّل خطوة إبلاغ الروس تصرفًا حكيمًا، لكنها في الوقت نفسه تظهر تناقض ترامب مع نفسه، إذ ما انفك ينتقد إدارة سلفه أوباما بسبب إهدارها عنصر المفاجأة في الحرب. ولكن يبدو أن ترامب بات يدرك أن ثمة اعتبارات لا يمكن التغافل عنها ولها الأولوية على عنصر المفاجأة، مثل منع نشوب حرب مع روسيا.»
ماكس يرى ان « الهجوم جرى تعظيمه كونه مفاجئًا. ولكن كان الرجل الذي أمر بشن الهجوم ترامب لم يبدِ أي اهتمام بمعاناة السوريين حينما أصدر أمرًا تنفيذيًا بمنع دخول كافة اللاجئين إلى بلاده. وكان هو صاحب شعار اميركا أولًا الذي قصر استعمال القوة على الدفاع عن أمن الولايات المتحدة ومصالحها فقط.»
إن أفضل ما في الهجوم الاميركي من وجهة نظر ماكس هو « أنه قد عزز من وقوف المجتمع الدولي في وجه استعمال أسلحة الدمار الشامل، وبعث برسالة إلى أعداء اميركا مفادها أن القائد الأعلى للقوات المسلحة لن يتردد في استعمال القوة مثل سلفه. ولكن لو كان ترامب مهتمًا بشن عمل عسكري حاسم في سوريا، فعليه عمل أكثر من ذلك بكثير. لا بد من وجود خطة متكاملة تشمل الجوانب الدبلوماسية والعسكرية لوضع حد لهذه المحرقة المستعرة منذ ست سنوات.»
ويرى ماكس أن « الأمر أصبح أصعب الآن بسبب التدخل الروسي في سوريا. كان من الممكن القضاء على سلاح الجو السوري بسهولة قبل عام 2015 – تاريخ التدخل الروسي – مما كان سيعرض نظام الأسد لخطر حقيقي. ثمة خطوات أخرى يمكن لاميركا اتخاذها، لكنها لن تكون بسهولة إطلاق صواريخ كروز نفسها.»
مؤكداً أن « هناك حاجة ماسة لتغيير الحسابات على أرض المعركة لفتح الطريق أمام التفاوض، الذي من المرجح أن ينتج عنه تقسيم البلاد إلى كانتونات على غرار ما حدث في البوسنة. وفي سبيل ذلك، يتعين على اميركا دعم الجيش السوري الحر لتحويله إلى قوة فاعلة على الأرض، ويكون قادرًا ليس فقط على قتال النظام، وإنما أيضًا تنظيمي الدولة والقاعدة. ولكن يرى ماكس أن هذا بات صعبًا لأن الاميركيين تخلوا عن دعم المتمردين المعتدلين، وفي المقابل قويت شوكة المتشددين.»
كما بين ان « الجيش السوري الحر يحتاج إلى مستشارين أميركيين وغطاء جوي مثل الذي تحظى به القوات الكردية التي تقاتل تنظيم « داعش « . وبطبيعة الحال، سيجذب هذا اميركا أكثر نحو الصراع، وسيضعها في مواجهة النظام السوري وحلفائه لا سيما روسيا وإيران وقد يسبب خسائر في صفوف الأميركيين. ويؤكد ماكس أن حملة كبرى كهذه ستتطلب موافقة الكونجرس ودعم حلفاء أميركا.»
ويشير ماكس في تقريره ايضا إلى أنه « على ما يبدو ليس هناك نية لدى ترامب لفعل ذلك. في الواقع، لقد صرح مسؤولون عسكريون أميركيون لصحيفة النيويورك تايمز بالقول « إن ضربة صواريخ كروز لم يكن الغرض منها بدء شن حملة كبرى لإسقاط الأسد، أو فرض تسوية سياسية من أي نوع , حيث يبدو أن الغرض الوحيد كان منع الأسد من استعمال الأسلحة الكيميائية مجددًا. ولكن يبدو أن قتل الأبرياء بالبراميل المتفجرة لا بأس به لدى إدارة ترامب.»
مختتمًا تقريره بالقول « إنه لو كانت هناك استراتيجية شاملة لدى ترامب للتعامل مع الأزمة، فإنها مبهمة للغاية. ولعل الرئيس يخفيها للحفاظ على عنصر المفاجأة.»
* عن مجلة الفورين بوليسي