مايكل يونغ
تشير الأرقام الرسمية الصادرة حديثاً إلى أن 32 في المئة من المصريين غارقون في لُجج الفقر. فما التداعيات المُحتملة لذلك؟
أسامة دياب: باحث في وحدة العدالة الاقتصادية والاجتماعية لدى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
-إن ظاهرة ارتفاع معدّل الفقر في ظل ارتفاع معدّل النمو تعيد إلى الأذهان الوضع الذي كان سائداً في مصر قُبيل ثورة العام 2011، إذ سجّلت البلاد آنذاك مستويات تاريخية من النمو ترافقت مع ارتفاع معدّل الفقر بوتائر متسارعة. يعني استمرار منحى «ازدياد الثروات في ظل ارتفاع معدّلات الفقر» أن الاقتصاد المصري أصبح الآن أكثر تطوراً، بيد أن الفقر بات أشدّ وطأةً مما كانت عليه الحال عشية ثورة 25 كانون الثاني/يناير 2011.
هذا لا يعني بالضرورة أن مصر على شفير ثورة جديدة، فهذا الأمر رهنٌ بالكثير من المتغيّرات الأخرى التي قد تؤثّر في سير الأحداث. لكن الأكيد أن هذا المنحى غير مستدام على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي. واقع الحال أن تبنّي إجراءات اقتصادية تدريجية لم يعد مجرّد طرح مثالي من المستحب تحقيقه، بل بات خطوةً عملية من الضروري اتّخاذها كي لا يتدهور الوضع الراهن بالكامل، وأيضاً كي يتمكّن عشرات ملايين المصريين الذين يرزحون تحت وطأة الحرمان الشديد، والملايين غيرهم الذين ينضمّون إلى قافلة الفقر سنوياً، من الصمود والاستمرار.
بيسان كسّاب: صحافية مصرية متخصّصة في الشؤون الاقتصادية
-أظهرت الأرقام الصادرة مؤخراً عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن معدّل الفقر وصل إلى 32.5 في المئة في العام 2019، مقارنةً مع 27.8 في المئة في العام 2015، فيما بلغ معدّل الفقر المدقع 6.2 في المئة في العام 2019، مقارنةً مع 5.3 في العام 2015. يمكن تعريف الفقر على أنه عجز الفرد عن تلبية حاجات أساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، فيما يشير الفقر المدقع إلى عجز الفرد عن تأمين حاجاته الغذائية. من الصعب التنبّؤ بالنتائج التي قد تنجم عن ارتفاع معدّل الفقر، وبخاصة احتمال أن تشهد البلاد موجةً من الاحتجاجات، نظراً إلى التدابير الأمنية الصارمة التي تتّخذها الحكومة. مع ذلك، ستدفع هذه الأرقام المصريين إلى التساؤل حول جدوى البرنامج الإصلاحي الذي تنتهجه الحكومة، نظراً إلى أن نسبة الفقر المسجّلة راهناً هي الأعلى منذ 18 عاماً. من سخرية القدر فعلاً، في ظروفٍ كهذه، أن تصرّح وزيرة التخطيط بأن ارتفاع معدّلات الفقر هو نتيجة طبيعية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تتبنّاه الحكومة. عمرو عادلي: أستاذ مساعد في قسم العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة، ومؤلّف كتاب سيصدر قريباً عن منشورات جامعة ستانفورد بعنوان Cleft Capitalism: The Social Origins of Failed Market Making in Egypt
-بات الأمر رسمياً، إذاً. فمعدّلات الفقر في مصر آخذة في الازدياد، على الرغم من ظهور مؤشرات على التعافي الاقتصادي. إن ارتفاع معدّل الفقر يمكن أن يُعزى إلى الجولات المتعاقبة من التقشّف وخفض قيمة الجنيه المصري التي طبّقها النظام الراهن منذ أواخر العام 2016، تحت إشراف صندوق النقد الدولي. ما التأثيرات السياسية التي قد تنجم عن ذلك؟ ما من جواب سهل أو مباشر لأن العلاقة بين السياسة والاقتصاد ليست ميكانيكية أو مستقيمة. لقد نجح النظام باستعمال قدراته القمعية لفرض إجراءات لا تحظى بالشعبية، إنما اعتُبرت ضرورية لمعالجة المشاكل المالية التي تعانيها مصر. لكن القاعدة الشعبية الواسعة المؤلّفة من الفقراء والطبقة الوسطى هي التي تحمّلت العبء الأكبر لعملية تحقيق الاستقرار الاقتصادي. أتت الإصلاحات أكلها، لكن ليس لغالبية السكان. فقد تحسّنت مؤشرات اقتصاد مصر الكلّي، ما ساعدها في الحصول على قروض خارجية ساهمت في تحريك عجلة التعافي الاقتصادي. أظهرت الأرقام الصادرة مؤخراً عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن معدّل الفقر ارتفع إلى 32 في المئة في العام 2019، مقارنةً مع 27.8 في المئة في العام 2015، ما يثبت أن السلطات المصرية يمكنها أن تفرض إجراءات اقتصادية لا تحظى بالشعبية من دون أن تتكبّد عواقب كُبرى. وتُعتبر هذه بمثابة رسالة إلى المقرضين الأجانب، مفادها أن تعافي الاقتصاد المصري المدفوع بالاستدانة يبدو مستداماً، أقلّه في المستقبل المنظور.
شريف محي الدين: باحث غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت
-واقع أن هذه الأرقام الصادمة نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو هيئة حكومية، يُعتبر مؤشراً واضحاً من داخل الحكومة على أن السياسات المُعتمدة لتعزيز النمو الاقتصادي لم تُحقق نجاحاً يُذكر في مكافحة الفقر.
فهذه الأرقام تؤكّد على أن ثلث المصريين ما زالوا فقراء أو أصبحوا فقراء مؤخراً، ولا أمل لديهم في تغيير هذا الوضع قريباً. ويُعزى السبب في ذلك إلى أن السياسات التي أدّت إلى ارتفاع معدّل الفقر ما تزال قائمة، ومن المستبعد أن تتبدّل. أضف إلى ذلك الشعور العام السائد في مصر بأن النظام والقوّات المسلحة المنخرطين في مروحة من الأنشطة الاقتصادية، مسؤولان عن هذا الوضع المتدهور. وسيتعمّق هذا الشعور نتيجةً للأرقام الصادرة حول معدّل الفقر، ما سيؤدي على الأرجح إلى زيادة وتيرة الهجرة ليس لأسباب سياسية وحسب، بل لأسباب اقتصادية أيضاً.
مركز كارنيغي للشرق الاوسط