سايمون هندرسون
في جميع سنوات المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، يمكن القول، أن إيران قد تعلمت الكثير حول كيفية التعامل مع الولايات المتحدة وليس العكس بالعكس. وهناك بعض الأمريكيين الذين يَعْرفون ذلك، وربما ما يزال عدد قليل منهم يشغلون مناصب في الحكومة الأمريكية، لكن يبدو أن معظمهم لا يدركون ذلك.
والمثال الأخير: الهجمات المنسقة لطائرات بدون طيار التي وقعت على منشأة نفطية سعودية يوم السبت المنصرم، وأثارت قلق السوق العالمية القائمة على النفط -ومخاوف بالدفع بالأمور إلى مستوى جديد في الحرب القائمة على الطائرات بدون طيار.
أنا مخالف للاتجاه العام فيما يتعلق بإيران، منذ أن كنتُ أبعث تقارير من طهران لصحيفة الـ «فاينانشيال تايمز» خلال الثورة الإسلامية عام 1979 وأزمة الرهائن اللاحقة في السفارة الأمريكية. لم أفكر، كما فعل آخرون، أن الثورة الإسلامية كانت لحظة تحرر سياسي. فقد تم الاستعاضة عن السيطرة المشددة لديكتاتورية الشاه بشعبوية دينية مفروضة. لقد عادت الساعة إلى الوراء عدة قرون.
ليست هناك حاجة إلى معرفة خاصة بالعقيدة الشيعية المسلمة لفهم حقيقتين أساسيتين:
أولاً، يمكن تشبيه تفكير المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بالراديكالي المعادي لأميركا في الستينيات. ويلي من كل ذلك، تعريف النظام الإسلامي لنفسه من ناحية كونه معارضاً للولايات المتحدة. ولا يريد هذا النظام أي شيء من أميركا، وبالتأكيد ليس اعترافاً.
ومن نتائج هذه العقلية أن برنامج إيران النووي ضروري لضمان مستقبل الجمهورية الإسلامية. ويجب التذكر بأنه لم يتم الإطاحة بأي نظام يملك قنبلة نووية. وإذا تخلت دولة عن برنامجها النووي، كما فعل معمر القذافي في ليبيا، يكون مستقبلها معرضاً للخطر.
وبالانتقال إلى الخليج الفارسي (حتى الحكومة الأميركية تستعمل هذا المصطلح، بدلاً من «الخليج العربي»)، فإن وجهة نظر طهران هي أن أمن الممر المائي واحتياطياته الحيوية من النفط والغاز يجب أن تكون مسألة تتعلق بدول الخليج وحدها. وهذا تعريف لا يتضمن دوراً للولايات المتحدة أو أي قوة أجنبية أخرى. وبالتالي، فإن النتيجة الطبيعية أيضاً هي أنه إذا لم تتمكن إيران من تصدير النفط، فلن تستطيع دول خليجية أخرى القيام بذلك أيضاً.
وبنحو عام، هذا هو ما نحن عليه الآن -أو بالأحرى، حيث كنا منذ ثلاثة أشهر ونصف الشهر، عندما قامت إيران بتخريب ناقلات النفط وتسببت في شن هجمات بطائرات من دون طيار على خط أنابيب رئيس للنفط عبر السعودية، رداً على العقوبات المتزايدة. وكرد فعل على ذلك، تراجع حليفا الولايات المتحدة، السعودية والإمارات، عن المواجهة. وعندما تم إسقاط طائرة استطلاع أميركية من دون طيار، لم توجه الولايات المتحدة ضربة مضادة بل تم إيقافها في اللحظة الأخيرة.
وما تزال تفاصيل الهجوم الذي وقع يوم السبت على معمل في بقيق لتثبيت النفط الخام في السعودية غير معروفة بصورة كاملة، لكن في ضوء الهجمات السابقة التي حرضتها إيران، فقد كان الهجوم الأخير متوقعاً تماماً. ويجب التذكر بأن معظم الناس في الدول الغربية لم يسمعوا عن بقيق من قبل، فهو مصنع مهم في السعودية، يعمل على تثبيت النفط للتصدير. وفي أعقاب هجوم فاشل شنه تنظيم «القاعدة» في عام 2006، أصبحت المملكة جادة في التعامل مع تهديد الإرهاب الداخلي.
ونفت إيران أي علاقة لها بالهجوم، لكن واشنطن تصر على أن لديها دليل على تورط إيران.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، كيف ستتعامل السعودية -حليفة الولايات المتحدة -مع هذا الهجوم؟ إن وجهات نظر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي هو أيضاً وزير الدفاع، بشأن إيران أكثر واقعية، وإن كانت غامضة، في الأقل وفقاً لأولئك الذين ناقشوا الموضوع معه. فهو يرى أن الجمهورية الإسلامية تشكل تهديداً مباشراً لبلاده، ولا يمكن التعامل معها إلا من خلال رعاية عصيان مسلح والإطاحة بالنظام في طهران.
إن المشكلة في هذه الاستراتيجية، كما أشار المحاورون لمحمد بن سلمان في نقاشهم للأمور معه، هي أن مملكته معرضة أيضاً لعمليات مؤذية مصدرها من الخارج.
وحتى الآن، يبدو أن إيران قدّرت جيداً ما يمكنها أن تفلت منه في أي عقاب. ففي النهاية، وحتى نهاية الأسبوع الماضي، بدا وكأن الرئيس ترامب سيلتقي بالرئيس الإيراني حسن روحاني على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومع ذلك، ربما سيجتمع معه رغم التطورات الأخيرة، إذا اعتقدت واشنطن أن روحاني معتدل ويمكنه تهميش المتطرفين المزعومين في طهران. وفي رأيي، إن هذا النموذج الفكري معيب في أحسن الأحوال.
ربما تكون طهران قد توصلت إلى نتيجة بأنه على الرغم من تبجح الرئيس ترامب، إلّا أنه يكره المخاطرة. وقد تكون الإقالة الفظة لمستشار الأمن القومي الأمريكي المتطرف جون بولتون من قبل الرئيس الأميركي في الأسبوع الماضي قد زادت من جرأة أولئك الذين يدورون في فلك خامنئي. وربما كانوا يأملون أن يخسر ترامب في الانتخابات الأميركية عام 2020، ليحل محله ديمقراطي أكثر ملاءمة لطهران.
والجانب الرئيسي الآخر من هجوم بقيق، سواء كان ذلك عن طريق الصواريخ أو الطائرات من دون طيار، كانت بساطته التكنولوجية النسبية. ويبدو أنه لم يجر اكتشاف الهجوم مقدماً ولكنه كان مدمراً من حيث تأثيره. وقد تكون هناك حاجة إلى إعادة النظر في ميزانيات الدفاع التي تقدر بمليارات الدولارات، فيما يتعلق بأهميتها وقيمتها.
وفي غضون ذلك، سوف تأتي المزيد من المعلومات بشأن تأثير الهجمات على سوق النفط العالمي. وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن النقطة الجيدة الوحيدة لما حدث هي أن ارتفاع أسعار النفط يجعل استغلال الصخر الزيتي المحلي أكثر ربحية. ومن الناحية التاريخية، وفيما يتعلق بتقدم التكنولوجيا العسكرية، قد يتم إدراج هجوم بقيق إلى جانب زوال فارس الدروع، أو إدخال المدفع الرشاش. وبنحو عام، كانت عطلة نهاية أسبوع غير اعتيادية لدول لعالم.
سايمون هندرسون مدير «برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة» في معهد واشنطن.