ابراهيم قوريالى
حكاية لا تنتهي أبداً ولا نعرفُ كيف بدأت بين الحروف التي تكوُّنُ أي اثر أدبي وبين علوان السلمان الرجل الذي وُجِدَ في الزمان والمكان المناسبين في ساحة الأدب تماماً ولكنها أثمرتْ (الحكاية) ولادة قامة أدبيّة رفيعة المستوى، يبدو للعيان وللمهتمين بصورة جليّة إنَّ الأدَب الفرنسي والروسي والمصري قد أثروا عليه إيجاباً وبشكل كبير بفضلِ مطالعته المستمرة من سن المراهقة والشباب والى الآن وأضافت دراسته الأكاديمية والجامعية وإختصاصه الأدبي الشي الكثير على موهبته النقدية الإبداعية ليسيرَ بخطى ثابتة وفكر واسع ليشعَّ طيفه على المواضيع الأدبية الراقية ويلتقط ويختار منها الزكيَّة التي تُهمه وتُهمّ القارئ سواءً كانت ظاهرةً آو مخفيَّة بمهارة عالية من لدن الكاتب ولن تكون عصيّةً على ابن سلمان مطلقاً وهو دائم البحث عن البُعد الجمالي والنسج الموضعي (كما يؤكد ذلك مراراً وتكراراً) الشفاف لِأدب جادٍ يكونُ مؤثراً على الشارع الثقافي العراقي والعربي، ومَنْ ينظر بإمعانٍ الى نظراته العميقة( شرطَ انْ يكونَ أديباً) سيجد الحروف العربية قد نُقشت على قزحيتهِ وقرينتهِ وقلبه ويتعامل معها بكل عشقٍ بويهيميي وحبّ لارجعة منه مطلقاً ، يقول أحد الأخوة من الأدباءِ المرموقين ( خيالات علوان سلمان لا تفارقني عندما أكتب أي شي في مجالات الشعر والقصة وكأنه رقيب واقف فوقَ صفحاتي ويراقب كل كلماتي عليه تجدني حريصاً جداً)، هي رهبة ولكن مِن مَنْ؟ بالتأكيد من عيون ثاقبة تراقب الشكل والمضمون والمعنى والفكر واللغة ثم الغاية، كيف يفعل سلمان كل هذا؟ انه يملك خارطة دقيقة لمدينة زارها الأديب( قصته او قصيدته) من اجلِ كتابة أثرٍ ما ولم يَزرْها الأول ليبدأ عمله المضني في البحث عن أدقّ التفاصيل ضمن خارطته التي تُهلك مخيخهُ المتعب أصلاً من منغّصات لا تنتهي في حياته اليومية كحال معظم المثقفين في العراق تحديداً، برنامجه النقدي وضَعهُ بمنتهى الدقّة ونسبة السهو فيه صفر تقريباً ويسير وفق نظام ثابت قلّ نظيره في ساحة الأدب ويقدّم خدمات جليلة للكُتّابِ والأدباءِ عموماً إستناداً للمقولة التاريخية التي تقول( انَّ صنعةَ الشعر قد سبقت صنعة النقد بفترة زمنية كبيرة ولكن الأخيرة أسهمت بشكل كبير في نوعية الاولى ووَجْهَتْها الى مسار الابداع)، وفي هذا الصدد أيضاً يقول الكاتب جاك كودي (انَّ أجملَ خدمة قدمها المثقفين والاُدباء والشعراء للآخرين هي الفكر السليم والنقد)،ويقول الكاتب التركي والروائي الكبير أورهان پاموق ( هنالك فرق شاسع بين رواياتي التي كتبتها تباعاً لأنني استفيد كثيراً من آراءٍ النقاد)، ويقول الشاعر الغنائي التركي أحمد سلجوق( لي طريقة أخرى اتعامل بها مع الناقد الحاذق وهي، أسلّمهُ قصائدي قبل الطبع والنشر وأكتب على غلاف الكتاب ( القصائد مرّت من تحت يديّ الناقد الفلاني) ويقول المفكر والكاتب التركي احمد إينام ايضاً في هذا الصدد( أي اثر أدبي دون نقد يشبه كتاباً يحوي خواطر لاغير، الادب والاُدباء والمثقفين والقرّاء ينتظرون الشي الكثير من الناقد لانه يجعل من الكِتاب آو الأثر تحفة فنِّية رائعة ودون نقدٍ بناء ذو تقويم لا نستطيع تقديم مايفيد القارئ والثقافة أي شي، انا شخصيّاً اقدّر النقاد كثيرا لانهم كانوا سبباً مباشراً في إبداعاتنا )، يالتواضعهم! وتقديرهم للنقّاد الذين لا يشبهون القارئ الاعتيادي مطلقاً لانهم يعيشون في أجواء محتوى الكتاب الذي بين أيديهم ويجعلون منه لوحة فنية تستحق القراءة بالتأكيد لقدرتهم الفكرية في إظهار وبيان تعدد المعاني الموجودة فيه رغم ثبات الأسطر من قبل الكتَّاب ومهمتهم الاساسية( النقَّاد) تبدأ عند وضع الكاتب نقطة النهاية معلناً انتهائه وَإِنْ كان ذو حظ فكتابه سيكون تحت يدي علوان السلمان إنموذجاً، من الشائع والمعروف عنه عندما يستلمُ كتاباً من أديب ما ينقل نظراته من الغلاف الى عيون الكاتب مراراً وتكراراً ليتأكد من تقبّله النقد مهما كان نوعه وبعدها يقرر العمل، لنر كيف يتصرف بما موجود تحت يديه من كتب، اولاً يطالعه بالتمام والكمال وبدقّةٍ فائقة، ثانياً يؤشر على بعض سطوره باللون الأزرق ( إعجاباً) وفِي المرة الثالثة يؤشر على بعض سطوره باللون الاحمر (مستفهماً) ثم يبدأ عمله بهذه الخطوات الدقيقة: ١- يبحثُ عن الحداثة الفكرية ( المدرسة النقدية الفرنسية التي ظهرت بعد احداث المقصلة وانتهاء بحقبة لويس وسلالته )وكيفية الاستفادة منها من قبل الكاتب في تدجين كتاباته.2ـ يبحثُ عن الغاية المرجُوّة من الموضوع ( المدرسة النقدية الماويّة والتي تؤكد وجود شي ما )سواءً كان شعراً او قصة او أي شي آخر. ٣-يبحثُ عن المستجدات اللغوية (النقد العربي اللغوي بصورة عامة) التي استعملها الكاتب وهل هي مستعارة من الكتب المحلية او العربية امْ مستحدثة (اجتهاد شخصي) من الكاتب؟ ٤-يبحثُ عن الابداع الحقيقي انْ وجدَ (المدرسة النقدية المصرية الحرة بعد ثورة يوليو وانهاء حكم الملوك) او الإشارة عليه اذا كان مكرراً ولافائدة منه. ٥- يبحثُ في شكلية الموضوع ( المدرسة النقدية الروسية)من حيث القالب والزخرفة الفنية والإطار الخارجي له والجمال الصوري الموجود فيه. ٦-يبحثُ عن المعقول واللامعقول والمقارنة بينهما من حيث ترجيح الأوَّل (النقد الأدبي الواقعي التركي الحديث لفكرة المسلسلات التركية). ٧- يبحثُ عن الجدية والعبثية والسخرية الهادفة في مضمون الكتاب والتأكيد على فائدتها للقراءِ. بعد جمع كل هذه المعلومات التي سترهق كاهل ابن السلمان حتماً بطريقة ذكية وأكاديمية يختص هو وحده بها ثم يقوم بتحليلها وتفكيك أجزائها ووضعها تحت مجهره الدقيق وإستخراج ماهو مفيد وذو فائدة للكاتبِ وللقارئ وللأدب الراقي، وفي الختام يقوم بصهرها جميعاً في بوتقة حسّاسة يضع على نهايتها غربال يُبقي الجمال وينتظر إختمارها بصورة هادئة ثم تبدأ مرحلة الكتابة وهي من أصعب المراحل بالطبعِ ليقدِّم للكتَّابِ خدمات جليلة سيذكرها المؤرخين الأدباء بكل فخر وإعتزاز وأشدُّ ماتعجبني وتُعجب المهتمين بالشأن الأدبي مقولته الشهيرة التي تنمُّ عن تواضعه الشديد( مازلتُ تلميذاً في مدرسة الادب).