قبل 50 سنة او يزيد، وانا أتلمس طريقي الاولى نحو الثقافة وبناء الشخصية، عبر قراءات منوعة في التاريخ والادب والتراث والدين والفكر، كانت تستوقفني جملة من القضايا والملاحظات والأسئلة التي لا اعثر على إجابات مقنعة لها، وفي كل مرة أتجاوز فيها عمري وثقافتي المحدودة، وافسر على هواي وقدرتي على الاجتهاد، سرعان ما أكتشف الأخطاء الجسمية التي توصلت اليها، ولذلك أعيد النظر، وابحث عن رؤية اكثر مقبولية، وهكذا كنت لا اعرف الاستقرار، محكوماً بتبلور الوعي ونضج الثقافة وتراكم الخبرة!
واحدة من عشرات القضايا التي انشغلت بها طويلاً منذ سن المراهقة، هي: لماذا كان سيد الفقهاء والأئمة، علي بن ابي طالب، على اسمه السلام اينما ذكر، ولماذا كان قادة المسلمين بصورة عامة، لا يذهبون إلى معركة او غزوة او فتح، الا وكان النصر معقوداً تحت راياتهم، الا في حالات نادرة جداً، واذا كان الانتصار ليس غريباً، فمدعاة الغرابة ان يكون الخصم متفوقاً في العدد، بضعة آلاف مسلم مقابل عشرات الآلاف من جند العدو، ومتفوقاً في العدة والتجهيز، وحديث عهد بمفهوم الدولة ومؤسساتها الإدارية والتنظيمية، فلماذا يخسر الطرف (القوي) وينتصر (الضعيف) بمعايير العدد والعدة والتجهيزات؟!
في حماسة المراهقة واندفاعها، كنت أرى في قوة علي وسيفه وشجاعته التي أصبحت مضرب المثل عن حق، هي العامل الحاسم وراء انتصارات المسلمين المتلاحقة، وكنت أعمم هذه القاعدة، او هذه القناعة على قادة المعارك الاخرين، وما يتحلون به من بطولة وشجاعة وقوة جسمانية، ولكن قناعتي المبكرة لم تصمد طويلاً في مرحلة لاحقة من النضج المعرفي، لان معسكر الخصم لا يخلو بالتأكيد من فرسان وأبطال وشجعان يتحلون بالقوة الجسمانية، ولا يخلو كذلك من قادة أذكياء يجيدون فنون القتال، ووضع الخطط العسكرية… الخ!
عندما نضجت ثقافتي واستقام عودي وكبرت (عقليتي)، اكتشفت ان وراء النصر عدة أسباب منطقية، واكثر واقعية، في المقدمة منها (الايمان) بالقضية التي يقاتل المسلم من اجلها، وفي المقدمة منها كذلك ان الامام علي مثلاً كان يتقدم صفوف المقاتلين، ويأكل مما يأكلون او دون ذلك، ويلبس مما يلبسون او دونهم، ويجوع قبل ان يجوعوا، ولا ينام على سرير من فضة، ولا يسكن في قلعة محصنة، ولا يحميه فيلق من الحراس، بل كان بين جنوده، يتفقد احوالهم، ويسمع منهم ويأخذ بالرأي الصائب وان صدر عن اصغرهم، وهكذا حجب عن نفسه اي امتياز، فكيف لا تتفجر همم المقاتلين ولا يندفعون وقد ادركوا ان ثمار النصر لن يستأثر بها قائدهم.
وذلك هو ابو الحسن، فأين نحن منه، أعني اين (هم) من علي؟!
حسن العاني
سيد الأئمة!!
التعليقات مغلقة