تسييس الشارع !

مرت التجربة السياسية في العراق منذ عام 2003 بمراحل متعددة وخلال السنوات الماضية حاولت قوى مختلفة الوصول الى الرأي العام والتأثير فيه بوسائل مختلفة من اجل كسب اكبر عدد ممكن من المؤيدين لهذه القوى وخلافا لما هو متعارف عليه في الانظمة الديمقراطية فان هذا السلوك السياسي كان ينبغي فيه التفصيل ومن المهم جدا ان يحوز من يمارس مثل هذا الفعل مستوى عال من الوعي فهل كانت الاحزاب والقوى الفاعلة في المشهد السياسي العراقي حائزة على هذا الوعي ؟ وهل مارست هذه الاحزاب هذا الحق السياسي من دون تشويه ؟ ان الاجابة على هذين السؤالين تقودنا الى استعراض الفعاليات السياسية خلال السنوات التي اعقبت سقوط النظام الديكتاتوري فباستثناء الفعاليات الانتخابية وتحشيد الاحزاب لجمهورها الانتخابي لم تشهد الساحة العراقية تنظيم تظاهرات عفوية للجمهورالعراقي باستثناء حركات الاحتجاج والتظاهر المحدودة لفئات وشرائح مختلفة اصابها الحيف بسبب القرارات التشريعية او التنفيذية او القضائية اما على مستوى القضايا العامة للبلاد فان اغلب التظاهرات التي شهدها الشارع العراقي هي بتحريك اداة دينية او مذهبية او قومية او حزبية او جرى تفعليها او دعمها بواسطة جهة تنظيمية قد يصل ارتباطها الى خارج البلاد وتتنوع وتتعدد الاحداث التي خلفت قبلها او بعدها حركات الاحتجاج لكن ابرزها يتعلق بالدستور والقوانين المعنية بالحقوق والامتيازات وتهميش فئات او تفضيل اخرى ومنذ عام 2014 اخذت حركات الاحتجاج تنحو منحى آخر بعد سقوط محافظات عراقية بأيدي تنظيم داعش الارهابي وتفشي مظاهر الفساد في المؤسسات الامنية ومؤسسات الدولة الاخرى والفشل الكبير على مستوى تقديم الخدمات حيث تميزت هذه المرحلة بانفصام عرى التحالفات في (البيت الشيعي ) و(محور التحالف السني) وتشظي العملية السياسية وبروز التيار الشعبي لمقتدى الصدر ومبادرة قوى اليسار العراقي الذي يضم المستقلين بالنزول الى الشارع للتعبير عن الرفض والاحتجاج لما آلت اليه اوضاع البلاد واتخاذ ساحة التحرير كمنبر حر وتجديد التظاهر فيها اسبوعيا ومن ثم اتساع هذه الحركة لتشمل المحافظات الاخرى في السنوات التي تلتها وفي كل هذه التظاهرات لم تتبلور حركة عراقية ثابتة حرة ونضع هنا خطا بارزا تحت كلمة حرة للتعبير عن هموم الشعب العراقي تغذي حركة الاحتجاج الشعبي او تديمها باطر وتقاليد صحيحة يمكن الانطلاق منها الى افق اوسع في المعارضة والرفض الشعبي لكل الانتهاكات والممارسات السيئة في العراق ..ان اسوأ مافعلته الاحزاب في هذا المفصل من مفاصل العملية الديمقراطية هي محاولاتها المستمرة لتسييس الشارع العراقي وسلبه الارادة الذاتية بممارسة حقه في التفاعل مع الاحداث ومحاولة مصادرة هذا الحق من خلال التثقيف الدعائي وفرض رؤية حزبية احادية على نمط التفكير الجمعي للافراد والانغماس بصراع حزبي محموم مع احزاب اخرى للسيطرة على حركة الشارع والقبول بمنهج التجهييل واشاعته بين اكبر عدد ممكن من الجمهور وتهميش اية حركات تنتمي الى الوعي تحاول الحصول على مكاسب على حساب منهج التحزيب والممارسات الطائفية الاخرى .

د. علي شمخي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة