حوارات عن النقد السينمائي
حوار : صلاح سرميني
طاهر حوشي، ناقدٌ، ومخرجٌ جزائريّ، عضو الجمعية السويسرية للصحافة المًتخصصة، والجمعية السويسرية للصحافة السينمائية، هو المُؤسّس، والمدير الفنيّ للمهرجان الدولي للفيلم الشرقي في جنيف، أخرج فيلميّن قصيرين، (Yidir) عام 2012، ويعتبر الجزء الأول من ثلاثيةٍ حول الطفولة، تمّ اختياره في أكثر من 15 مهرجان، وفي عام 2013 أخرج (Koceila) الجزء الثاني من الثلاثية، ومن المُفترض أن ينجز الجزء الثالث (Massinissa) في هذا العام.
ـ طاهر حوشي، أنت ناقدٌ، مخرجٌ سينمائيّ، ومدير المهرجان الدولي للفيلم الشرقي في جنيف، وتقوم بنشاطاتٍ أخرى في مجال التكوين المهني، وتدريس اللغة الفرنسية في مدرسة حكومية، والسينما في مدرسة خاصة، كيف بدأت مسيرتكَ مع الكتابة عن السينما؟
ـ لقد جئتُ من اللغويات، والآداب، والنقد الأدبي، تابعتُ تكويناً مهنياً لمدة أربع سنوات، وخلالها امتلكت أدوات الاقتراب من عملٍ أدبي: السيميولوجيا، التحليل النفسي، السوسيولوجيا، والماركسية،…
في البداية، كنت صحفياً فقط أكتب تقارير خلال السنوات السوداء في الجزائر، اذهب إلى الأماكن الساخنة، أخفي وجهي، وألتقط المعلومات، ولأسبابٍ احترازية كنتُ أنشرها باسمٍ مُستعار، كما كنت أكتب عن الكتب، الموسيقى، والأدب، ومن ثمّ، بدأت الكتابة عن السينما بتطبيق أدوات التحليل الخاصة بالنقد الأدبي، وقادني هذا الوضع إلى متابعة المهرجانات، ومن ثم تأسيس مهرجان في جنيف، وبغرض اكتساب الخبرة الاحترافية، تابعتُ عدداً من الدورات التدريبية في الإخراج (في جنيف، ولندن)، وبالتوازي، أقوم بتدريس اللغة الفرنسية في مدرسة حكومية في سويسرا، وتدريس اللغة الفرنسية للفرنسيين، والسويسريين في سويسرا.
فيما بعد، بدأتُ في المغرب، والجزائر بتأسيس دورات تدريبية حول النقد الأدبي، والإخراج، خلال بعض الوقت، كان حلمي بأن أخرج أفلاماً لم يكن واضحاً، ولكنه صحا من غفوته، وكتبت ثلاثية حول الطفولة (Yidir/ Koceila / massinissa).
اليوم، يمكن إحصاء أكثر من 1000 مقالة كتبتها حول السينما، طموحي بأن أكتب كتاباً، ورواية، وأنجز فيلماً طويلاً، هذه هي أهدافي للخمس سنواتٍ القادمة.
ـ هل تعتبر نفسك صحفياً، أم ناقداً سينمائياً، ماهي الفروقات الجوهرية بينهما؟
ـ إنني بالآن صحفيّ، وناقد، وأضيف، بأنني مُجرّب، أكتب دائماً لتقديم المعلومات، أحياناً أستخدم أدواتي من أجل تشريح فيلم، وأنقل أفكاراً حول القضايا الاجتماعية، ولكن أقتفي الحدود بوضوح بين هذه الأشياء.
الناقد هو الذي يجرّب فهم بناء فيلم، ويعرف كيف يكتشف عبقرياً إذا كان موجوداً، ومن أجل ذلك، يجب امتلاك الأدوات، ومعرفة السينما من الداخل، بينما يسعى الصحفي إلى البحث عن المعلومات، وتقديمها للقارئ، ويحاول المُجرّب تشريح الظواهر الاجتماعية، أو يهتمّ بالأفكار الفلسفية.
ـ هل يمكن الجمع بين النقد، والإخراج، مخرجو الموجة الفرنسية الجديدة تركوا النقد عندما أقدموا على إنجاز الأفلام؟
ـ هما مهمتان تتطلبان موهبةً، ولكنها لا تتشابه، أعتقد يمكن الجمع بين النقد، والإخراج، إيزنشتين فعلها، وآخرون أيضا، نقدم تنظيراً لأعمالنا، لا أعرف بمن تفكر من المخرجين في فرنسا، ولكن أعرف بأن البعض يهجرون النقد لصالح الإخراج لأسبابٍ مادية.
وأيضاً، هناك نقاد صحف يتحدثون عن المطر، والوقت المُشمس، وهناك عدد من النقاد مجهولين، أو يعملون بصمتٍ في الجامعات.
ـ تتحدث اللغة العربية، وتقرأها (مع بعض الصعوبات)، ولكنك تكتب باللغة الفرنسية، هل تعتقد بأن المشهد النقدي الفرانكوفوني يحتاج إلى ناقدٍ سينمائيّ إضافيّ، بينما وسائل الإعلام العربية بحاجةٍ إلى نقاد سينما عرب؟
ـ أكتب جيداً اللغة العربية، حتى وإن وجدتُ بعض المصاعب في المُحادثةً، وأكتب بالفرنسية، لأنّ الصحف التي أتعامل معها فرانكوفونية، الصحف العربية لا تدفع جيداً، وهذا غير مجدي مادياً بالنسبة لي، مع المكافآت التي يقترحونها، يتوجب أن أدفع من جيبي، الكتابة عن مهرجان كان لصحيفة عربية عملية خاسرة، وأيضاً، هناك الكثير من النقاد في العالم العربي يصطادون من انانيتهم، وخاصة القدماء، بدل أن يكونوا متواضعين، وينقلوا معارفهم، ويؤسسوا مدارس، يطلبون بأن نتوّله بهم، وهذا مثير للسخرية، ولكنني أفهمهم، هم يعيشون في نظام تأليه قادتهم، وعندما يصلون إلى مرحلة عمرية معينة، يطلبون ذلك بدون وعيّ، نحن نتاج مجتمعاتنا.
منظرو الفلسفة الوضعية، والماركسية يؤكدون على هذا الجانب، لم يتمكنوا من التخلص من قبضة هذه الإيديولوجيا، لأنه ينقصهم إيجاد مسافة، والتحلي بالروح النقدية، والنقد الذاتي.
ـ أشعر بأنك تتملص من عروبتكَ، وجزائريتكَ، حتى أنك لا تحدد مهرجانك بالسينما العربية، واخترت تيمة أوسع، وأشمل: الفيلم الشرقي؟
ـ على العكس من الكثيرين، ليس لديّ أيّ مشكلة هوية، مثل مولود معمري، أو كاتب ياسين،.. أؤكد بأنني أمازيغي، تغذيت بالثقافات العربية، اللاتينية، والاغريقية، عبرت الإسلام بقوة، وبالمسيحية، ودرست ديانات أخرى، مثل اليهودية، والهندوسية، والديانات القديمة.
عندما يحدثوني عن هذه الأشياء، أستفيد من العلم، أرمي نظرة نقدية، الثقافة منتج إيديولوجي، عشت ضغطاً، وعنفاً إيديولوجياً، ودلالياً لا مثيل له.
اليوم، أعتبر نفسي ناقداً للإيدلوجيا، ولست مستهلكاً لها.
إذاً، لا يتعلق الأمر بإلغاء ميراث ثقافي عربي، وإسلامي، إنه غنيمة حرب كما قال «كاتب ياسين».
هذا فقط وصفٌ لما أنا، يتحاور في رأسي محمّد، فولتير، موسى، عيسى، روسو، بورديو، ورولان بارت، بدون إعلان حرب، بمعنى آخر، أنا أتبع الحسّ السليم.
ـ أتخيل بأنك تعرف المشهد السينمائي النقدي الفرانكوفوني، هل تتابع ما يُكتب عن السينما باللغة العربية ؟ وما هو حال النقد السينمائي في سويسرا المكتوب باللغة الفرنسية؟
ـ فقير للغاية، نحن نعيش طقساً تقليديّاً، رؤية صحيفة، ملحقين صحفيين، ومقابلات، إذا أردت أن تظهر ناقداً أصيلاً، سوف يقع الجميع عليك، ومن هنا يأتي التنويع المهني للنقاد.
إنها نفس الحالة في فرنسا، بشكلٍ عام، النقد الصحفي سطحيّ بسبب نقص الأماكن في الصحف، أو الصداقات.
يمكن أن يتسلى بعض النقاد في تحطيم فيلم لأنهم لا يحبون المخرج، هناك العديد من البداهة، ليس من السهل أن تفرض نفسك، إنها شركات مغلقة تماماً، في بعض الأحيان يستاؤون من شخص ما يأتي من الخارج، ويُظهر لهم كيف يمكن أن تسير الأمور بطريقةٍ مختلفة، تابعنا الجدل السخيف حول عبد «اللطيف كشيش»، كانوا يريدون حقاً تحطيم هذا المخرج، بعض وسائل الإعلام تغرق في الإثارة، والأكاذيب، والمعلومات الخاطئة، أين النقد من هذا، علينا أن لا نخدع أنفسنا، الرقابة تجتاح كلّ البلدان العربية باسم الايديولوجيا، وفي أوروبا، والولايات المتحدة باسم المال، في المقابل، يعاني النقد الجامعي بشكل أقل، في سويسرا، وفرنسا، يقدم النقد عملاً رائعاً، ولكنه غير محسوس كما الحال في الوسائل الإعلامية الشائعة.
ـ هناك أربع لغاتٍ رسمية في سويسرا: الفرنسية، الإيطالية، الجرمانية، والرومانش، هل هناك قواسم مشتركة، أو متعارضة في حال النقد السينمائي المكتوب بهذه اللغات المختلفة؟
ـ بين هذه الأقاليم الأربعة، وأقلّ بالنسبة لإقليم رومانش، هناك حرب صامتة لا تُفصح عن اسمها، ويتوّضح هذا الأمر في المشاريع الاتحادية، والأصوات، والمشاحنات السياسية، كل مقاطعة تميل إلى بلد مجاور، إيطاليا، فرنسا، ألمانيا، والنتيجة ستبدو وكأننا نتعامل مع بلدان مختلفة.
ثقافياً، هي مختلفة، والنقد أيضاً، والأفلام التي تخرج للعرض في الصالات مختلفة، بعض الأفلام تعرض في مقاطعة، ولا تعرض في المقاطعات الأخرى.
ـ في البلدان العربية، تشير الأجواء الحالية إلى مزايداتٍ على موضوع الشباب، من الطرفين، الشباب أنفسهم، والأقلّ شباباً، وهذه ظاهرة لا تخصّ السينما وحدها، وإنما كلّ مجالات الحياة، وتدعمها الخطابات الثورية التي سوف تصبح مصيدةً يقع فيها الشباب أنفسهم لاحقاً، هل هناك صراع مماثل بين الأجيال في أوروبا؟
ـ في أوروبا، وسويسرا أيضاً هناك صراع بين الأجيال، ولكن بشكلٍ أخف، لأنّه في مرحلة عمرية معينة ينسحب الكبار من الشؤون العامة، ومن مسؤولياتهم كي يتمتعوا بتقاعدهم، أو كتابة مذكراتهم.
لا يموت كبار السن على مقاعدهم، وهذا يقلل الصراع بين الأجيال، وأيضاً يدمج النظام الكثير من الشباب، ويخصص ميزانيات هائلة من أجل تكوينهم.
في النقد يجب رفع الغطاء عن الأشياء، قول ما لا يُوصف، أو يمكن حكيه، أو من الأفضل الصمت.
الخاصية الأولى التي يتوّجب على الناقد امتلاكها: الوضوح، والصفاء، بغضّ النظر فيما إذا كان شاباً، أو أقلّ شباباً، إنه التكوين، من المؤسف بأن نقاد الأفلام غير متدربين بما فيه الكفاية، نلاحظ بأن معظمهم يختبئون في الحكاية، أو الأبشع، في كتابة التعليقات الإيديولوجية، والمواعظ، وهذا أمر خطير جداً جداً.
بإمكاني مقارنة هذا الأمر مع طبيب سوف أذهب عنده، علماً بأنه لم يتعلم في الجامعة، إنه معالج بالأعشاب، هناك موضوعات في المجتمع تسترجع نفسها: المرأة، الشباب، الطفولة، الديمقراطية…ولكن بالنسبة لي، أقول بأنها طريقة للهروب من المشاكل الحقيقية، إنها اقترابات شعبوية من الحياة الاجتماعية، والسياسية، لا تتوقف المشكلة الحقيقية إذاً عند الشباب، ولكن موازين القوة، والسلطة، الطريقة الوحيدة لتجاوزها هي التركيز على الوضوح، والصفاء، المنطق، والتعلم.