فلم «yes».. لسالي بورتر

فيلم يقول اشياء عديدة ومشاكل سبق وان طرحت في العديد من الافلام السينمائية، لكن سالي بورتر تعالجها بطريقتها الانيقة، مستثمرة كل ادوات التعبير السينمائي، مراهنة على حرفيتها الكبيرة في هذا المجال .
خادمة تتحدث عن النظافة التي لا تتحقق رغم الاستمرار في محاربة الاوساخ ، تتحدث عن كل ذلك للكاميرا ، متخذة اوضاع عدة ، اشارة الى عدم امكانية نظافة العالم من الادران التي يحتوي ، من هنا يكون المدخل للحكاية ، حكاية الاغتراب الداخلي لطبيبة في علم الاحياء ، بسبب برود العلاقة مع زوجها ، واغتراب رجل شرقي وطبيب جراح هرب من بلده بسبب الحرب الاهلية ليعمل طباخا في عاصمة الضباب .
الطبيبة أمريكية من اصل ايرلندي، والطبيب لبناني اضطر لتوظيف براعته في استخدام مبضع الجراحة في تقطيع اللحم في المطعم الذي يعمل فيه.
هاجس الاغتراب يجمع الاثنان، لتبدأ بينهما قصة حب، يفترض ان لا تكون بسبب الفارق الكبير في الثقافات التي ينتمون اليها .
الجنس هو الذي يوحد الناس والتصاق الاجساد يلغي كل الحواجز التي وضعتها الثقافات والحدود
، لكن هذا الالتصاق لا يمكن ان يدوم ابدا .
نعم لماذا؟ هذا هو السؤال، الثيمة، هل نعم لتلاقح الثقافات، هل هي نعم للتمرد على الاختلافات، هل نعم للنتائج التي تنتهي اليها العلاقات التي تتحدى الاختلاف؟
التوفر على مدير تصوير بارع، ومصورين ينفذون ما يطلبه امر مهم، ولكن الاهم هي الرؤى التي تتوفر لدى مخرج العمل، هنا استطاعت سالي بورتر من ان تفيد من كل كادر العمل المساهم في صناعة الفيلم ، كل شيء محسوب بدقة متناهية ، ليرسل الاشارات والدلالات المراد ايصالها للمتلقي . من خلال حجوم اللقطات المعبر عن كل شيء والاضاءة المحسوبة بدقة، لكي يرسل اللون دلالاته، فالجسد العربي بلونه المميز والتصاقه بالجسد الانثوي الايرلندي البض، والتساؤل عن امكانية توحدهما على الاقل من خلال قصة حب بين الاثنين.
لعب الحوار دورا هاما في ربط احداث الفيلم، وتم وضعه بعناية فائقة، حيث كان في العديد من جوانبه حوارا فلسفيا خالصا ، خصوصا الحوار حول قيمة الارقام من 1 الى 4 واهمية كل رقم منها للأثنين ، فلا اهمية للرقم واحد بدون بقية الارقام ، والاثنين يمكن ان يؤسس لثنائية على كافة المستويات والثلاثة تعني المشاركة او الشراكة والاربعة هو الذي يصنع التوازن ربما في مختلف الصعد والمجالات الحياتية .
الموسيقية التصويرية تكاد لا تحسها او تنتبه اليها بسبب انسيابيتها العالية والتوافق الهرموني مع احداث والتطورات الدراماتيكية التي تحف بها مشاهد الفيلم العديدة .
في مشهد رسم بدقة عالية ، وربما لا تتوفر عليه الكثير من الافلام التي تشتغل على نفس ثيمة فيلم « yes « واقصد هنا بناء مشهد رومانسي بكل تفاصيله وبطريقة ايحائية عالية ، يتوفر على كل التفاصيل التي تحدث بي عاشقين في الفراش ، لكنها هنا تعتمد الحوار في كل ذلك ، واي حوار ، حوار يسقط الحواجز بين الاثنين واقصد الحواجز التي تفرض الخجل حتى بين الزوجين احيانا ، مفردات سوقية ، يتلذذ الاثنان بها ، ولمسات ومداعبة توصل الاثنين الى الذروة .
ان توظيف الحوار بهذه الطريقة، يغني عن الكثير من المشاهد واللقطات التي تؤدي نفس الدور ، وبذلك يمكن ان تختزل الكثير من الوقت ، مع عدم اغفال الهدف الاساس وهو الوصول الى الفعل الدرامي التصاعدي ضمن النسق الارسطي .
التمثيل بدا وكانه جزءا من حقيقية تماها فيها الابطال « سيمون ابيخريان فرنسي « من اصل لبناني ، والممثلة الأمريكية جوان الين « مع الشخصيات التي يؤدون بشكل مؤثر ، فارق العمر كان واضحا ، ولكن لم يكن يبدو ان هناك استغلال لهذا العالم ، ولم تكن هناك ايحائيات بان الطبيبة تبحث عن شاب يصغرها بسنين ، بل الحاجة الانسانية هي التي دفعت لتلك العلاقة غير المتكافئة بسبب الفارق الكبير في الثقافات ، والنظرة الاخيرة للغرب الى العرب واتهامهم بالإرهاب نتيجة الاحداث التي حصلت ابتدأ من احداث الحادي عشر من سبتمبر والاعمال الارهابية التي نفذها المتطرفون في العديد من المدن الاوربية .
والعلاقة بين الاثنين ارادت ان تؤكد عدم ايمان الجميع او تبنيهم لهذه النظرة، رغم قساوة الموقف الذي تعرض له الطبيب اللبناني من اهانة واضحة من احد العاملين معه في مطبخ المطعم الذي يعمل فيه، وانحياز صاحب العمل الى جانب العامل الاخر ، كدليل على تبني الافكار التي يروج لها في المجتمع الغربي
هذا الموقف غير كثير من مسار العلاقة بين الاثنين ، الطبيب يعود لبلده ، وهي لا يمكن ان تستمر حياتها بشكل طبيعي بدونه ، فتقرر السفر الى بلدها ايرلندا حيث عمتها على وشك الموت ، بعد ذلك تسافر الى كوبا وتدعوه للمجيء اليها ، وحين يصل يحاولان قدر المستطاع الاستمتاع بحياتها .
الخادمة هي الرابط بين الاحداث ، دائمة الحديث على نظافة الاشياء التي ترسخ الوسخ فيها ، وأولها العقل .
وتقول « الوسخ لا يزول بل يغير مكانه، بعض الاشياء تحرق، وبعضها يدفن ، لكن الاشياء التي تحرق تنفث الدخان والسموم ، وتلك التي تدفن تتفسخ ملوثة الارض «
اخيرا لمن نقول كلمة « yes « .
القرار بالتأكيد يتبع لمدى تقبل المشاهد لفكرة الفيلم التي اراد طرحها، وعلى ضوء ذلك يمكن ان يقول yes لمن يشاء .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة