بابل ـ مروان الفتلاوي:
في نيسان الماضي تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مقطعاً فيديوياً لرجل من ذي قار يعلن بجرأة أنه نبي مرسل وهو أكبر من الزعامات والمرجعيات، ولم يكتف الرجل الخمسيني بهذا الإعلان فحسب، بل ادعى انه موحىً إليه بأن يرشّح للانتخابات من أجل رئاسة الجمهورية، لاسيما أن الحدث تزامن مع الدعاية للترشيح إلى عضوية مجلس النواب.
«النبي ياسر زعيم الأمة» وهكذا كانت دعايته الانتخابية، سرعان ما انتهى إلى التوقيف وانتهت مسيرة نبوّته المزعومة أمام القانون، فيما نفت المفوضية تسجيل أي كيان ينتمي إليه.
ولم تكد تطوى صفحة «ياسر» حتى ظهر فيديو جديد الشهر الماضي لرجل من بغداد يرحّب بعودة النبي عيسى «الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا»، مؤكداً ذلك بدلالة التحاليل، كما يدعي. ثم أعقبه خطاب مليء بالأخطاء اللغوية لرجل بوشاح أبيض يبشر بأنه «اليسوع» الذي ظهر من كرخ بغداد، إلا أن الأخير سرعان ما تراجع في اليوم الثاني في فيديو آخر، مشيراً إلى أنه لم يكن في وعيه.
وكالعادة قابل رواد مواقع التواصل الاجتماعي هؤلاء بمشاركة التعليقات الساخرة لاسيما أن الفيديو الأخير تزامن مع موجة حر ضربت البلاد!
لكن من جهة أخرى فتح النبيّان المزعومان جدلاً قانونياً معززاً بالتساؤل عن موقف القوانين والتشريعات العراقية أمام هذه الحالات ومثيلاتها، وإلى أيّ مدى يمكن اعتبار الادعاء بالنبوة جريمة.
التشريعات العراقية لم تتطرق إلى فعل ادّعاء النبوة غير أن فصلا في قانون العقوبات العراقي تناول ما يسمّى بـ»الجرائم التي تمس الشعور الديني».
ويرى متخصصون في القانون أن مصطلح ادعاء النبوة غير مدرج بقانون عقابي، لكنه فعل لا يمكن أن يمضي من دون مساءلة قانونية، لأنه قد يمسّ شعوراً دينياً في بلد مازال يعاني من حساسية في هذه القضايا.
وقال رئيس الهيئة الثانية في جنايات بابل الدكتور حبيب إبراهيم إن «القاعدة تقول لا جريمة ولا عقوبة إلا بنصّ، ولكن على الرغم من أن فعل ادعاء النبوّة غير موجود في نص صريح إلا أن القانون لم يهمل ذلك وأشار إليه ضمنيا في المادة (372) من قانون العقوبات العراقي».
وأضاف إبراهيم في تعليق إلى «القضاء» أن «المادة (372) تناولت الجرائم التي تمس الشعور الديني وفرضت العقوبة بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات لمرتكبيها»، لافتا إلى «أنها جنحة ومن الجرائم التي تقبل الكفالة».
وتتكون هذه المادة من ست فقرات، وتنص الخامسة منها على فرض العقوبة ضد «من أهان علنا رمزا أو شخصا هو موضع تقديس أو تمجيد أو احترام لدى طائفة دينية»، ويلفت الدكتور إبراهيم إلى أن مدعي النبوة يمكن أن يدان بحسب هذه الفقرة.
وعلى الرغم من أن الرجلين اللذين ادعيا النبوة لم يشكلا ضررا ماديا إلا أن الخشية من تطور هذه الأفعال تتطلب إجراءً وقائيا على ما يبدو.
وذكر قاضي الجنايات أن «بعض هؤلاء لا يكتفون بادعاء النبوة فقط، قد يوغلون في الجريمة إلى تشكيل ميليشيا مسلحة متطرفة تهدد الأمن الوطني كما حدث سابقا مع ما يسمى بحركة اليماني وغيرها»، لافتا إلى أن «عقوبة هؤلاء تختلف فهم يواجهون غالبا قانون مكافحة الإرهاب».
وأبدى قلقه أيضا من أن «يستغل هؤلاء هذه الدعاية في جبي الأموال والتبرعات من البسطاء، وهذه تعد من جرائم النصب والاحتيال».
وعن مدى معالجة المادة القانونية لقضية الادعاء بالنبوة، أشار القاضي إبراهيم إلى أن «هناك قصورا تشريعيا طفيفا لعدم ذكر هذا المصطلح على الرغم من أن هذه الحوادث تتكرر عبر التاريخ».
وخلص إلى أن «هذا الفعل يشبه انتحال الصفة، فإذا كان انتحال صفة موظف هو جريمة فمن باب أولى أن يكون انتحال صفة النبي أو الولي ومن يتمتع بصفة دينية رمزية، جريمة أيضاً»، لافتا إلى «إمكانية المشرعين إضافة فقرة ضمن الجرائم التي تمس الشعور الديني تتعلق بهذه القضية».
* نقلا عن موقع السلطة القضائية