يتناول هذا الكتاب تعريف الإرهاب وقضية المقاتلين الأجانب، وتنقلهم ما بين دول أوروبا ـ وسوريا والعراق، لغرض القتال إلى جانب داعش هناك أو تنفيذ عمليات إرهابية في دول أوروبا والغرب.
وناقش الكاتب درجة تهديد المقاتلين الأجانب إلى الأمن القومي لدول أوروبا بشتى درجات خطورة المقاتلين العائدين، مع تفصيلات وإحصائيات عن أعدادهم وخلفياتهم وطرائق التجنيد وأسباب التجنيد ودول تواجدهم بنحو بيانات واستقصاء وبوابات العبور إلى سوريا والعراق عبر تركيا.
ولأهمية الكتاب تنشر ” الصباح الجديد” فصولاً منه.
الحلقة 60
جاسم محمد*
تداعيات تغير الموقف التركي ضد “داعش” وضرب الأكراد:
• احتمال كبير ان تشن تركيا عمليات عسكرية واسعة ضد وحدات حماية الشعب الكوردي في سوريا وكذلك في العراق، العمليات العسكرية على الارض تأتي دائما بعد ان تحقق الضربات الجوية اهدافها، وهذا يعني ان العمليات على الارض باتت قريبة. تركيا تملك تفاصيل على الارض عن خارطة القوى المسلحة في سوريا، فهي تعاملت وتعايشت مع اغلب اطراف هذه الجماعات ابرزها جبهة النصرة واحرار الشام وجماعات اخرى. وإن ضربات الطيران التركي الى “داعش” و الكورد في سوريا والعراق سوف تستمر.
• أضعاف تنظيم “داعش” نتيجة الضربات الجوية وكذلك ماتملكه انقرة من معلومات وبيانات حول تنظيم داعش، ممكن ان يمثل ضربة قوية الى داعش تعمل على اضعاف التنظيم من الداخل، اي العمل استخباريا ضد التنظيم من داخله بالاضافة الى الضربات العسكرية. انقرة تمسك بقيادات داعش ربما من الخط الاول وهذا يعني ستكون هناك نقطة تحول في قدرة التنظيم العسكرية.
• تغيير في مقرات سيطرة تنظيم داعش وتغيير في قياداته.
• اضعاف شبكة عمل “داعش” في تركيا لما يمثله التنظيم من شبكة عمل وغسيل اموال وتهريب مقاتلين ومعسكرات تدريب.
• سوف يشهد تنظيم “داعش” شحة في تدفق المقاتلين عبر الاراضي التركية، بسبب الحملة التي شنتها اجهزة امن تركيا ضد التنظيم وكذلك ما اتخذته انقرة من اجرائات عند مطاراتها ومعابرها الحدودية، ربما بسبب الضغوط الدولية.
• صعود كفة الجماعات والفصائل المسلحة الاخرى في سوريا على حساب اضعاف “داعش”، فمن المتوقع ان تدعم تركيا الفصائل الاخرى هذه المرة لمقاتلة داعش وليس القوات النظامية السورية.
تدفق لاجئين سوريين مدنيين الى المناطق العازلة المحتمل انشائها، بأعتبارها مناطق امنه وربما تخضع برعاية اميركية واممية.
معالجة الحواضن “الجهادية” في الدول الفاشلة
الدولة الفاشلة هي تلك الدولة الضعيفة أو التي تفقد السيطرة على أراضيها، وتفقد تامين الحماية الى ثرواتها الطبيعية والبشرية. أن استمرار ومطاولة الفوضى في دول المنطقة من شأنه ان يخلق دول فاشلة بانهيار مؤسساتها، ويحول ابنائها لان تقاتل بالوكالة لصالح اطراف خارجية. الدول الفاشلة، حسب تعريف الباحث “نعوم تشومسكي” هي الدول غير القادرة في حماية مواطنيها من العنف. اما “مايكل مازار” فيقول في احدى دراساته “لقد وجدت الولايات المتحدة ضالتها في خطر”الدولة الفاشلة” الذي بدأت في الترويج له، كونه تراه أبرز مصادر تهديد الأمن القومي الأمريكي، بل وتهديد السلم والأمن الدوليين”. وهذا ماجعل وجود ترابط مابين وجود التدخل الاميركي في العالم والمنطقة وفشل الدول، ابرزها الصومال وافغانستان والعراق واليمن. الكاتب الفلسفي زهير الخويلدي يقول في دراسته “لا يشكل الارهاب ظاهرة استثنائية وعارضة بل يدخل في صلب وجودنا الفردي والاجتماعي، تتنوع أشكاله المفرطة والعنيفة وتبلغ حدا يصبح معه من العبث الحلم بامكانية القضاء عليه”.
التنظيمات القاعدية “الجهادية” توجد دائما في الدول الفاشلة او تلك الدول التي تعيش تحت معدلات الفقر، يعتبر العراق على سبيل المثال من الدول الغنية، لكنه يصنف دولة فاشلة بسبب التراجع الذي شهدته الدولة العراقية، وابرز الاسباب هي الفساد والتسييس وغياب الهوية الوطنية. اما اليمن وافغانستان فربما ظروفهما الاقتصادية تختلف وممكن تصنيفهما بانهما من الدول الفقيرة بالاضافة الى الصومال، ليكون الفقر الى جانب الفشل السياسي ابرز الاسباب التي تعمل على ظهور التنظيمات “الجهادية” والمتطرفة.
فراغ السلطة
هذه التنظيمات تستغل فراغ السلطة، بفرض سيطرتها وتعاليمها الاسلاموية على المجتمعات وتطرح نفسها في البدء مدافعا عن حقوق الضعفاء، وتستقطب المقاتليين الجدد، لتتحول بعد ذلك الى مركز للحوكمة والسيطرة والتسلط عليها وهذا ما كان واضحا بأنتشار طالبان في افغانستان والتنظيمات القاعدية الاخرى في الدول المذكورة. وبالتوازي مع هذه التنظيمات” الجهادية” تظهرمجموعات المسلحة الصغيرة او كبيرة على شكل الميليشيات، بعد ان تحصل على التمويل والدعم والتدريب بالاضافة الى تعاظم سطوة العشائر.
فعندما تفقد الدولة سلطتها على المدن والبلدات، تعطي فرصة الى ترعرع تلك الجماعات المسلحة و”الجهادية” بكل درجاتها وانواعها الى النمو، وتدريجيا تستقوي على سلطة الدولة والقانون، لتتحول المناطق التي تقع تحت سيطرتها الى حواضن وملاذات امنة تتكاثر فيها. يشار ان تنظيم القاعدة و”الدولة الاسلامية” تعتمد في عملها على الحواضن، وكثيرا ماتقوم هذه التنظيمات بالمصاهرة والتجانس والتعايش، هذه السياسة تؤمن لها التخفي والحماية ولتكون قياداتها غير ظاهرة على السطح مما يعطيها حماية اكثر. الجماعات “الجهادية” تقفز على مشاكل المجتمعات، لتضع نفسها بديلا، وتستغل سياسات التهميش والاقصاء والسياسات الخاطئة لنشرايدلوجيتها “الجهادية” لذلك هنالك اجماع عند المعنيين في مكافحة الارهاب وسيكولوجية الارهاب واسبابه، بان السياسات الخاطئة تلعب دورا رئيسيا في تحول الفرد الى هذه الجماعات بالاضافة الى العوامل الدافعة الاخرى.
العنف المضاد
ومن الاخطاء الظاهرة في مكافحة الارهاب في هذه الدول انها تستخدم القوة اي العمل العسكري بمفرده لمواجهة هذه الجماعات وهي ترتكب خطأ كبير في معالجة الارهاب بالعنف. العمليات العسكرية لوحدها لا تستطيع مواجهة الارهاب دون وجود حل او خيار سياسي يتركز على فصل الحواضن عن هذه الجماعات وان لاتؤخذ الحواضن والملاذات بجريرة التنظيمات والجماعات “الجهادية”. لذا ينبغي ان تقوم الاستراتيجية العسكرية والامنية على الممارسات العقلانية ولا تقوم على الثار والانتقام، التي يذهب ضحيتها الكثير من الابرياء خلال عمليات المداهمة والتحقيق. لذا بات ضروريا تجنب استخدام العنف المضاد لانه يزيد كثير من الكراهية والثأر.
هذه الجماعات تستغل سلوك وممارسات القوات النظامية في مناطق الفوضى، هي تبحث عن المواجهة لتضع نفسها بديلا عن المجتمعات وتحصل على متطوعين جدد. التقارير والتحقيقات كشفت إن الجماعات “الجهادية” ابرزها النصرة والقاعدة و”الدولة الاسلامية” رغم حصولها على التمويل، لكنها تراهن على المواجهة مع خصومها. وكلما اشتدت المواجهة كلما يصعد رصيد هذه الجماعات بتدفق المقاتلين والاموال. اليوم الارهاب اصبح كرة ثلج ماعاد ينتهي في منطقة الا ان يظهر في منطقة اخرى، رغم ان هذه التداعيات لم تكن بعيدة ابدا من اطراف دولية واقلمية لاعبة في تحريك هذه الجماعات واشعال المنطقة. بعض الطروحات والدراسات النظرية تقول “المجتمع الديمقراطي في البلدان المتقدمة ياتي مكملا وامتدادا للدولة التي كانت في اصل نشوئه بالعكس من ذلك ياتي الحديث المتزايد عن المجتمع المدني في البلاد النامية كتعويض عن غياب المجتمع تماما وكرد على الفراغ الذي احدثه في الفضاء العمومي تفسخ الدولة وتحلل السلطة العمومية الى سلطة أصحاب مصالح خاصة وانهيار القاعدة قانونية والمؤسساتية للدولة والمجتمع معاً.”
تجارب ناجحة في مكافحة الارهاب
تعتبر المملكة الاردنية من الدول التي نجحت في مكافحة الارهاب اقليميا ومحليا، رغم وجود دول اخرى وربما سبقتها مثل المملكة العربية السعودية بمواجهة تنظيم القاعدة ودولة الامارات العربية في مواجهة ارهاب الاخوان وخلابا القاعدة واخير النموذج المصري في مواجهة ارهاب الاخوان والقاعدة ايضا الذي ضرب بتداعياته المنطقة بالكامل. الحالة الاردنية تستحق الوقوف عندها كون المملكة الاردنية تحتضن بعض ابرز منظري الفكر “الجهادي” ابرزهم ابو محمد المقدسي، وفي الفترة الاخيرة ظهر الطلحاوي الذي لم يتردد ابدا بتأييده الى ممارسات “الدولة الاسلامية”. يبرز دور المملكة اكثر لانها تحاط بمناطق ساخنة. الاردن وضعت خطط بالتوازي مع الاعتقالات والمراقبة مع اجرائات دقيقة عند المعابر الحدودية. ووضع الخطط والاجرائات الاحترازية الاستباقية، فهي لاتنتظر ظهور الارهاب، بل تحول دون ظهورة وتدفع به خارج المربع للعاصمة عمان.
استغلال شبكات التواصل الاجتماعي
احتلت إجرائات مكافحة الإرهاب إهتماما واسعا على مستوى الحكومات والمنظمات الدولية والاعلام. وأهم أنواع الإرهاب كان إرهاب القنابل البشرية الموقوته والسيارات المفخخة. لقد أنتشرت ثقافة التطرف الأسلامي “الجهادي” في اعقاب احداث 11 سبتمبر 2001، لتتحول القاعدة الى شبكة عمل واسعة وايدلوحية يمكن للشباب ركوبها في اي وقت، ليكون الإرهاب كامنا، يتحرك من خلال وسائل التأثير الخارجية. يعتبر الأنترنيت والمواقع “الجهادية” أولى العوامل ألمؤثرة لتحويل الارهاب من الحالة الكامنة ليتحرك على الارض.
الانترنيت والمواقع ” ألجهادية ” تمنح الفرص الى معرفة التفخيخ وصنع المتفجرات ووسائل الاتصالات السرية. وتقع هذه المسؤولية على المجتمع الدولي والحكومات وكذلك الاسرة والمدرسة وتشترك جميعها بتحمل هذه المسؤولية. المشكل ان الكثير من الدول تنظر الى الارهاب بصورته المتحركة على الارض، اي بعد وقوع الحدث وهذا مايمثل تهديدا اخطر للامن. ولا تنظر الحكومات له، على انه ارهابا كامنا و معرفة أسبابه ومسبباته وإتخاذ الأجراءات الوقائية، أي إحباط الإرهاب في مكامنه. يبقى التمويل العصب الرئيس في حياة هذه التنظيمات.
* باحث عراقي، مقيم في المانيا، متخصص في مكافحة الإرهاب والاستخبارات
و الكتاب صادر عن دار نشر وتوزيع المكتب العربي للمعارف – القاهرة