تبدلت الخارطة السياسية بالعراق داخليا بسرعة مذهلة بقياس مجرياتها في أروقة الدولة العراقية البطيئة كالسلحفاة. وقبل أيام قليلة فقط كان الأخوة الأكراد بإقليم كردستان يلوحون بورقة الإنفصال والإستفتاء على إستقلال الإقليم عن المركز ببغداد. لا نختلف مع هذه الرغبة الدفينة التي يعيش على حلمها الشعب الكردي. ونحن معه في هذا المسعى الوجودي ضمن حق تقرير المصير الذي نصت عليه تشريعات الأمم المتحدة ولائحة حقوق الإنسان. لكن الذي يفصلنا عن هذه المفاهيم هو بالضبط مقدار الفائدة التي سوف تعود للشعبين الكردي والعربي. نص الدستور العراقي وللمرة الأولى بعد إسقاط النظام الملكي عام 1958 على أن العراق يتكون من قوميتين رئيسيتين هما العرب والأكراد. هذا هو الأعتراف الأول دستوريا بالعراق الجديد يؤكد على حق الأكراد أسوة بالعرب بحكم العراق والمشاركة في بنائه على قدم وساق مع جميع الشرائح والفئات العراقية الأخرى. بيد أن النصوص الدستورية شيء وتطبيقها على أرض الواقع شيئا آخر.
غدرت الحكومات العراقية المركزية بالأكراد في جميع المراحل السياسية التي خاضتها البلاد. والأكثر عنفا وهمجية كانت تقع على عاتق حزب البعث العربي الإشتراكي القومي العنصري الشوفيني الذي قاد الحملات العسكرية المنظمة بهدف إبادة الشعب الكردي وتركيعه. بيد ان الحركة الوطنية العراقية بقيادة الحزب الشيوعي العراقي وقفت بالضد من هذا المشروع التصفوي العنصري وتلاحمت القوى الوطنية العراقية بأواصر وثيقة مع الشعب الكردي في سبيل إجهاض المشروع النازي العراقي ضد الأكراد ونجح هذا التلاحم بتفاعل جميع القوى العراقية السياسية والدينية الخيرة بما فيهم الأحزاب الشيعية العراقية وتولدت اللحمة الوطنية العراقية بين العرب والأكراد في موقف موحد ضد النظام الدكتاتوري العنصري المتخلف الذي سقط بفضل هذا التحالف الوطني الكردي العربي.
نحن الآن كمواطنين عراقيين نعيش التاريخ السياسي الخطير الذي يجري أمامنا وليس نقرأه بالكتب. قبل أسابيع قليلة، أو قبل أيام كانت القيادات الكردية تعلن رغبتها بالإنفصال عن المركز. وأسدينا الآراء والنصائح الوطنية التي تتعلق بمصالح الشعب الكردي والشعب العربي. نعرف جيدا أن القيادات من مختلف الجهات ليس لها أسماع للحكِم الموضوعية بل لديها آذان صاغية لتجار المال والسلاح ممن يمتلكون فنون الدسائس والمكائد الأجنبية.
لا يوجد عنصر ينقذ الشعب العراقي والشعب الكردي سوى العراق الموحد القوي بعربه وأكراده وجميع مكوناته الوطنية الأخرى، وإلا يحل به الجحيم الهمجي القادم والحروب الأهلية الفتاكة كما يحدث الآن بالموصل وسوريا ولبنان. الدولة الإسلامية المزعومة تسعى لإلتهام جميع نقاط الضعف بالعراق وغيره. وحدة الشعوب وحدها الكفيلة بدحر هذا الخطر الهمجي المحدق بها.