علوان السلمان
الابداع الشعري نص جمالي ينطلق من لحظة شعورية بلغة زئبقية تكشف عن قدرة تعبيرية وتجربة رؤيوية متفجرة تعكس الحالة الانفعالية والانفتاح الدلالي واستنطاق الاشياء التي تسهم في تخصيب المعنى وتكثيفه ببناء متماسك محقق للدهشة الشعرية باعتماد الخيال والمجاز المساعدين على المغامرة باختراق اللغة اليومية من اجل خلق الرؤية المتسمة بالوعي الذي يعني الموقف الفكري الملتصق بالانسان عبر منظور واع للفن الشعري لتقديم صورة شعرية مستفزة لذهن المستهلك(المتلقي)..
وباستحضار المجموعة الشعرية(هجير الهواجس) التي نسجت عوالمها انامل شاعرها حامد عبدالحسين حميدي واسهمت دار ومكتبة كريم في نشرها وانتشارها /2017..كونها تحاول التحليق في افق الصورة الشعرية المستفزة برؤية تحمل ركام الزمن ببنية تعتمد التكثيف والايحاء..ابتداء من العنوان العلامة السيميائية الدالة والايقونة المثيرة لهاجس التأويل والتي شكلت المفتاح الاجرائي للتعامل مع النص في بعديه الدلالي والرمزي..وقد اعتلى الواجهة الامامية للغلاف الذي شكل اللون الرمادي مساحته وهو يشير الى مدلول لوحة رمزية..تجريدية حققتها ريشة الفنان محمد مصطفى التي تختزل جوانب غير معلنة في النص..فضلا عن انها تؤكد التفاعل النفسي والمكاني وهي تتوسد الجنس الادبي(شعر) واسم المنتج(الشاعر)..اما الغلاف الاخير فحمل صورة المنتج(الشاعر) واشارة نقدية مستلة من قراءة الشاعر ماجد الحسن فرشت روحها كنص مواز احتل مقدمة المجموعة..منها(هجير الهواجس) ذات العتبة الرومانسية ليست على مستوى البنية الهيكلية للنص فحسب بل على مستوى ما يبثه من رموز ودلالات..) /ص7 ـ ص8..
نمارس طقوس النزف بالكلمات
لا احد يستل لغة الانقراض
من نوافذ النجوم
دعنا نتأسى للندى
للحيرة التي تتعلق
على زوايا الدهشة
هل رأيت هجير الهواجس
تنبض ببرودة الرماد ص38 ـ ص39
فالشاعر يستفيد من تقنيات قصيدة النثر لتحقيق ما يقتضيه نسق التكثيف والايجاز والاختزال والمقطعية النصية فيقدم نصاً ينتمي الى القصيدة الرؤيوية بالاقتراب من اليومي وتفصيلات الواقع بكل تناقضاته وتوتراته من اجل تشكيل علاقة تفاعلية بين النص والذات مع تداعي الصور التي تحمل بين طياتها خصبها المعرفي وسموها الحدثي وتساؤلاتها وهي تتناول الهم الانساني بلغة تمركزت فيها الطاقة الايحائية بمستوياتها وصورها ودلالاتها وايقاعها الشعري المنبعث من بين ثنايا الفاظها وتشكلها البصري(الحسي) مع وحدة موضوعية تؤطرالتجربة الشعرية التي اتسمت بتعلقها بالذاكرة عبر صورها وتشبثها بالمكان..
على اليابسة…..
هنااااك غرقت
مرافيء العزلة
من خلفنا
لا اثر لمن.. اقتفى ظل الصنوبر
ولا لمن..احرق
في رؤوسنا صلع
الشجر
دون انقطاع
تساقطت اصابع..هلوسته
حتى تبعثرت /ص53 ـ ص54
النص تتوزع مفرداته بين حقلين دلاليين:اولهما مرتبط بالذات المنتجة دلالياً.. وثانيهما دال مرتبط بفضاءات المنتج المفتوحة..
فالشاعر يوظف لغة تتميز بالبساطة والوضوح.. كونها وسيلة للتعبير عن الذات والذات الآخر بهيمنة ضمير المخاطب.. مع اعتماد تقنيات فنية واسلوبية كالتنقيط الدال على الحذف والصمت من خلال ابدال الدال اللساني بالدال الطباعي والذي يستدعي المستهلك(المتلقي) للمشاركة في بناء النص وملء بياضاته..
خارجاً…
تلملم بقايا السواد
تنش احزانك المتحجرة
في كأس مثقوب /ص21
فالنص يتفاعل فيه الاحساس والشكل الجمالي فيرقى الحدث الشعري ومثيراته عبر خطاب تتعالق فيه الوظيفة الجمالية بالوظيفة الابداعية المتخلقة في نسيجه اللغوي الذي يمنحه قدرة الخلق التصويري الذي يشكل معادلا لانفعالات المنتج(الشاعر) الذي يحث الخيال على اعادة التراكيب اللغوية اليومية بتحفيز ذاكرتها وحثها على التشكيل البنائي بهندسية تستدعي المستهلك وتجذب بصره وتستفز بصيرته..كونها طاقة موجهة للشعرية المؤثرة بايحائها وانزياحها وطاقتها الصوتية والصورية والتركيبية والدلالية التي تشكل بمجموعها الوظيفة الجمالية للشعرية..
تستطيل الزنابق
ترفرف..بلا شواطيء
هكذا
كنا نزرع احداقنا..
في حقول الشمس /ص68
فالنص اشتغال لغوي تتساوق في مشاهده العناصر المعبرة عن الجمال وكوامن الوجد فيتخطى الحسيات الى افق الرؤيا بمخاطبة الوجود فيتخذ من الطبيعة ملاذاً لخلق صوره الشعرية التي قامت على تقنيات بلاغية كالاستعارة والمجاز وهي غارقة في الخيال والتجريد..
وبذلك قدم الشاعر نصوصاً متشابكة والواقع..قابضة على اللحظة ومصورة لها من اجل تحقيق نص ينسج عوالمه بخلق شعري مؤثث بالتداعيات والصور والموحيات الحسية والمكانية بلغة شعرية ترسخ نفسها في الذاكرة وتخلق شاعريتها التي هي(جدلية بين الطبيعة بعناصرها وكائناتها والذات الانساني)..