القراءة واستجواب الذات

ونحن على وشك استقبال عام جديد نتبادل التمنيات والتهاني مع الآخرين ونرجو أن تكون السعادة عنواناً للأيام المقبلة ويعمُ الخير على الجميع وتسكتُ أفواه البنادق وتصدح حناجر الأطفال بالأغاني بدلاً من أن يخسروا سنوات البراءة في مناخ مُتخم برائحة الموت، هذا بالنسبة لماهو عام ويهمُ كل من لم ينضبْ ضميره، بالطبع فإن لكل إمرىءٍ أمنية شخصية قد لا تشغله عما هو مطلب للجميع، أكثر من ذلك قبل وداع العام الذي نعيش في لحظاته الأخيرة يحتمُ الموقفُ كجاري العادة إستعادة ما عشناه وما أضفناه إلى حياتنا وما بقي قيد الأُمنيات حتى الآن، الأمر الذي يختلفُ من شخص إلى شخص آخر وفقاً لسلم الإهتمامات، ولا يوجدُ من يتحاشي جرد حساباته ويتغافل عن مهمة مساءلة الذات، وإذا فتشتُ عما شغلنى خلال هذه السنة وما وضعتُه في مقدمة إهتماماتي لا أرى شيأً شغلنى أكثر من الكتب والقراءة، لكن ربما يسألُ سائل ما جديدك في هذا المجال، ماذا إكتشفت في مجاهل القراءة؟ هل إكتفيت بالعناوين يكتبُ عنها غيرُك ومشيت وراء إختيارات الآخرين أو تحريت عن دروب جديدة وغامرت بقراءة عناوين من إختياراتك،وماذا أضافت لك الشبكة العنكبوتية على صعيد القراءة بما هي كون موازِ يموجُ بالمكتبات؟ طبعاً القراءة تفتح لك أفقاً لصداقات جديدة،إذ تستفيدُ من خبرة من قضى عمراً أكثر في عالم الكُتب، إذن فالقراءة تنقيب لطبقات فكرية مجهولة ومحاولة للخروج من أسر الرؤية الأُحادية بمزيد من المحاورة مع أفكار مُغايرة، ومُعاينة عوالم مُختلفة، والإنفتاح على عصر غير عصرك وإستشراف لملامح ماهو قادم، من هنا تأتى ضرورة جرد الحسابات بالنسبة لكل من لديه إهتمامات فكرية ومعرفية عن الكتب التي قرأها خلال السنة والعناوين التي خلخلت أنساقاً ثابتة أو ألقت الضوء على أصقاع مُعَتَمة، كلما كان الحديث عن العناوين وقراءة الكتب أتذكر مقولة (ميلان كونديرا) يقول صاحب (حفلة التفاهة) أن الكتب كثيرة والعمر قصير، فعلاً أنَّ عنصر الزمن يكتسبُ أهمية كبيرة في عالم القراءة وهذا الإدراك للزمن لا يأتي إلا بعد التجربة، أضف إلى ذلك أن الإنسياق وراء ما ينشر من اللوائح حول أكثر الكتب مبيعاً أو قراءةً قد يفرغُ عملية القراءة من مُتعة الإكتشاف وإذا إقتنعت بما تراه في وسائل الإعلام عن الإصدارات الجديدة وإكتفيت بما يقرأه غيرك فهذا يعني أنك لن تستطيع التفكير إلا بالطريقة التي يفكر بها كل شخص سواك على حد قول (هاروكي موراكامي).
كما أشرنا أعلاه إلى رأي كونديرا حول ضيق الوقت وكثرة العناوين ما يعنى أن الوقت قد لايسعك لقراءة كل ما حددته من العناوين والمؤلفات في ظرف السنة المُنقضية، غير أن ذلك لا يعني تجاهل تلك العناوين بل كل مافي الأمر أن قراءته تأجلت لوقت آخر ومن الكتب التي فاتني الوقت قبل أن أقرأها ما ألفته سفيتلانا أليكسييفيتش ،ومحمود مسعدى ،بول أوستر ،رسائل كافكا، الغثيان ،معارضة الغريب لكمال داود، وإن أمهل العمر والوقتُ ستكون هذه العناوين سالفة الذكر وغيرها فاتحة قراءاتي للسنة الجديدة.
هنا لابُدَّ أن أشير بأنَّ سلسلة المقابلات التي بدأت بإجرائها مع نخبة من الروائيين قد تستمر.
كه يلان محمد

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة