مشروع أنثولوجيا الشعراء اللبنانيين بالعربية والألمانية
معمر عطوي
لا تقتصر العلاقات بين الأمم والشعوب على المصالح السياسية أو المنافع الاقتصادية، إذ تلعب الثقافة دوراً رائداً في تخفيف حدة النظرة إلى الآخر وتضييق الفجوات، وهو ما يهدف إليه مشروع أنثولوجيا، الذي اختير فيه شعراء لبنانيون بشكل تجاوز الحدود الطائفية والمناطقية والسياسية لتتُرجَم أعمالهم إلى اللغة الألمانية.
تتولى الإشراف على مشروع «أنثولوجيا الشعراء اللبنانيين باللغتين العربية والألمانية» جامعة بون في ألمانيا، في حين ترفده جمعية «شهرياد» في بيروت بالشعراء الموهوبين. ويقوم بترجمة القصائد، رئيسة قسم الدراسات العربيّة في معهد الدراسات الشرقيّة والآسيويّة في جامعة بون، البروفسورة داغمار غلاس، وأستاذ اللغة العربيّة والترجمة في القسم نفسه، الدكتور سرجون كرم، و يتم اختيار النصوص بمشورة من الشاعر نعيم تلحوق من وزارة الثقافة اللبنانيّة.
ولعل المنطلق الأساسي في اختيار لبنان ونماذج من شعر شبابه يعود إلى أنّ الصورة النمطيّة للعالم العربيّ في وسائل الإعلام الغربيّ مطبوعة بالعنف والإرهاب والمآسي، سيما أنّ لبنان عانى نفسه من حرب أهليّة وارتبط اسمه بصراعات وحروب، لذلك كان لا بد من تغيير هذه الصورة من خلال الشعر اللبناني، إذ يتمّ التعبير عن هذا الجوّ النفسي، شعريّاً، على أكثر من صعيد فرديّ، ويقوم الشعراء برسم مشاعر الوحدة والضياع واليأس والحبّ والحنين وإرادة المقاومة.
قراءات في بون
وفي هذا السياق، استضاف معهد الدراسات الشرقية في 21 أيار 2014، في إطار اليوم الأكاديمي المفتوح الذي تقيمه جامعة بون، حفلاً لقراءة بعض قصائد شعراء الانثولوجيا اللبنانيّين باللغة العربيّة وبترجمتها الألمانيّة. وتمّ تقسيم النصوص إلى ثلاث مجموعات: اليأس والحبّ والأمل-المقاومة (ليس بمعناها السياسيّ) وهذه الترجمة تعرض للمرّة الأولى. قرأ القصائد البروفسورة غلاس والدكتور كرم والأستاذ زكريّا اليزيدي، إضافة إلى طلاب الماجستير العرب والألمان.
عن معايير اختيار الشعراء لهذا المشروع، يوضح الشاعر تلحوق أنه قد «تمَّ اختيار الشعراء على وفق رؤية واحدة، أداتها، التنوّع والاختلاف بين البيئات والأعمار والمناطق والتلوينات اللبنانية على أنواعها، ثمّ فُتِح الباب للشباب اللبناني لأن يحظى بفرصة التواصل العالمي مع غيره من البيئات والأفكار، ويعطي الثقة للجادين في الكتابة بأن يتفاعلوا مع حركة الحياة عبر نصوصهم التي تضعهم أمام مسؤولية البحث عن عناصر جديدة لكتابتهم».
يضيف تلحوق، الذي يشرف على تنظيم مسابقات شعرية في المدارس اللبنانية لدى وزارة الثقافة، «لقد استشعرت من خلال قراءاتي للشبان والشابات، وجلُّهم كتبتُ لهم مقدمات مجموعاتهم الشعرية، أن لكل واحد منهم نكهته الخاصة المتأتية من عالم مجنون لا ندركه، فكان التعاون مع معهد الدراسات الشرقية والآسيوية في جامعة بون، عبر تقديم نماذج لهم، ومعظمهم أصدر مجموعة أو اثنتين، فجاءت هذه التجربة لتجسد هذه الصورة».
وكامتداد لما يتم في بون من اهتمام بالشعر اللبناني، نشأت في بيروت جمعية «شهرياد» التي تضم عدداً من الشاعرات والشعراء، بينهم من تم اختياره وهم 12 شاعراً و8 شاعرات، ليكونوا ضمن الأنثولوجيا، واسم شهرياد هو دمج لاسمي أبطال حكايات ألف ليلة وليلة شهريار وشهرزاد، ويعني في الوقت نفسه ذاكرة المدينة.
ذاكرة المدينة
عن ظروف تأسيس هذه الجمعية يتحدث صاحب ديوان «يرقص بوحاً»، قائلاً «أنا أؤمن بالعالمية التي تعني التعارف، لا العولمة التي تعني الاجتياح، ومن هذه الفكرة جاءت «شهرياد» لتسيَّل فكرة التنوع والاختلاف والفوارق العنصرية (والاجتماعية والمذهبية والمناطقية في أكثر من مكان)، وتجمع الشباب اللبناني عبر مجموعة من الشباب. كانت بذرتها الأنثولوجيا اللبنانية الألمانية، لتأخذ دورها في المجتمع اللبناني بأسره وكل المناطق التي لا تعترف «السلطة الثقافية» بأهمية دورها على الصعيد المركزي، وهؤلاء ينصّبون أنفسهم ملوكاً على عرشها».
فـ»شهرياد» هي مجموع شهرزاد وشهريار، بحسب تعبير تلحوق، والتي «تغني ذاكرة المدينة». هي مجموعة في هذه الكلمة الأنثى والذكر، اليمين واليسار والوسط، النص الأدبي بكامل التماساته، إلى الموسيقى والغناء والرسم في مقاهي المدن أو البلدات النائية، لنعيد للمدينة، (بمعناها المديني لا الأحادي)، ذاكرتها ورونقها الثقافي في مواجهة مركزية اللون الواحد والقرار الواحد والسلطة الواحدة واللغة الواحدة.
العائلة «الشهريادية»
الشاعر مكرم غصوب، هو أحد شعراء هذه المجموعة، إذ ستصبح قصائده مقروءة باللغة الألمانية، يتحدث غصوب عن قصته مع الأنطولوجيا قائلاً: «بعد أن عهدت جامعة بون إلى الشاعر نعيم تلحوق اختيار الشعراء اللبنانيين الذين ستترجم أعمالهم إلى اللغة الألمانية، والذي كعادته اختار باقة من الشعراء، محطماً القيود الطائفية والمناطقية والسياسية، متقمصاً نصوص الشعراء باحثاً عن الخيانة الإبداعية والجنون الخلاّق، وقرر ألاّ يكون تفاعل هؤلاء مجرّد تفاعل ورقي، فأنشأ الملتقى الثقافي التفاعلي «شهرياد»، ليكون عائلة هؤلاء الشعراء حيث روح الفريق أو الـ»نحن» تكون سرّ الحركة والحياة للمجموعة مع الإبقاء وتفعيل فرادة كل «أنا» فيها».
يضيف صاحب ديوان «نشيد العدم»، أن «شغف بيروت إلى الثقافة والروح التي بعثها تلحوق في حياة «العائلة الشهريادية» جعلها تنمو وتكبر لتضمّ إليها عدداً أكبر من الشعراء الجدد والموسيقيين والرسامين وأهل الطرب، وتنتشر في جميع المناطق اللبنانية وبعض الدول العربية، حيث تقيم شهرياد لياليَ ثقافية في بيروت والمناطق، في المقاهي حيث لا مراتب أو صفوف، يتبادل فيها الشعر شاعر وشاعرة في حوارية شعرية بين شهريار الشعر وشهرزاده «. ويلفت النظر إلى أن نشاط «شهرياد» توسع ليضمّ السينما في ليالٍ تعرض فيها أفلام المخرجين اللبنانيين، حيث «يبقى هاجس شهرياد بعث نهضة ثقافية حباً وحقاً وخيراً وجمالاً».
أما الشاعرة زهرة مروة، فتعبّر عن شعورها الجميل بأن تصبح قصائدها في متناول القارئ الألماني، قائلة: «إضافة إلى ذلك هذه الأنثولوجيا سيدرسها طلاب الدكتوراه في جامعة بون. وهذا الأمر أيضاً يشكل سعادة عارمة بالنسبة لي، لأن شعري سيدخل في ذاكرة الأجيال».
وعن الطابع السريالي لأشعارها، ترى صاحبة ديوان «الإقامة في التمهيد»، أن ذلك «سيلقى رواجاً عند رواد الحداثة من الشعراء الشبان الألمان. وشعري من نوع قصيدة النثر التي لا تلتزم بالقافية ولا بالأوزان العروضية للشعر العربي، شعري حر من كافة القيود التي كبلت القصيدة العربية الكلاسيكية، وهذه المسألة ستلقى اهتماماً عند الشباب الألمان المتذوق للشعر الحر الحديث سواء أكان عربياً أم أوروبيا أم عالم ثالثياً».
* عن موقع «قنطرة»