صادق باخان *
استأذن روح الراحل غبرييل غارسيا ماركيز لاني اجزت لنفسي ولطشت منه عنوان روايته خريف البطريرك وعذري في هذا اني لم اجد عنواناً آخر يناسب هذه الفوضى التي انتشرت في هذا الوطن الممتد بين الماء والماء غداة ما اطلقوا عليه تسمية الربيع العربي ، فما الذي جرى يا ترى في هذه المهرجانات الفكاهية التي بدأت من تونس وامتدت الى مصر وعبرت الى ليبيا ومنها الى اليمن في حين لم يتمكن اللبنانيون منذ نهاية ولاية العميد ميشيل سليمان من اختيار رئيس للبلاد فاضطروا الى اللجوء الى الاوروبيين والاميركان عسى ولعل ان يعينوهم على اختيار رئيس لوطن شجرة الارز المبتلى بالديمقراطية التوافقية مثل العراق ؟
في مصر ، ام الدنيا سرق الاخوان الثورة من ( بهية ) ومن المدافعين عنها من اليساريين والليبراليين والناصريين في انتخابات وصفوها بالديمقراطية وفاز مرشحهم للرئاسة محمد مرسي لتعزف فرقة حسب الله لحناً زاعقاً مع كلمات مهرجانية قالت بأن مصر اختارت اول رئيس مدني غداة ثورة يوليو 1952 واحتل الاخوان عرش الحكم في مصر لكنهم فشلوا في ادارة الحكم وسقطوا في الامتحان الذي دام سنة واحدة فقط لان الاخوان ، كما بدا ، مثل البعثيين لا يحسنون ادارة البلاد وانما يحسنون ادارة شؤون القتل والاغتيال وها انتم ترون كيف ان الاخوان يشعلون في كل يوم الحرائق في القاهرة والاسكندرية وبقية المدن المصرية الكبرى ويقومون باعمال ارهابية في صحراء سيناء ويدمرون السياحة ويقتلون السياح من الاجانب ليدمروا الاقتصاد المصري المعتمد على السياحة .
وسط هذه الفوضى خرج عبدالفتاح السيسي لينقذ مصر من الدمار ، بالتأكيد كان صعود السيسي غداة قيام محمد مرسي باقالة قائد الجيش المصري السابق طنطاوي اولى خطواته لتسلق هرم السياسة المصرية بعد ان لعب بورقة الاحتجاجات الشعبية المليونية التي ثارت ضد حكم الاخواني محمد مرسي الذي عده المصريون من اسوأ العهود التي مرت بتاريخ مصر الحديث اذ لم ينجح محمد مرسي السجين راهناً بتهم ارتكاب جرائم قتل متظاهرين معارضين وبانتهاك الدستور في ادارة مرحلة ما بعد نظام حسني مبارك بنجاح بل شبهه البعض بخطيب جامع في حي شعبي اكثر منه رئيساً لدولة كبيرة كمصر تفاقمت الازمة الاقتصادية بصورة خطيرة وتسببت في ازدياد معدلات الفقر والبطالة وتراجع الواردات الحكومية عقب تراجع مداخيل قطاع السياحة بشكل كبير ولولا المساعدات والقروض الخارجية التي حصلت عليها مصر لتحولت بالتأكيد الى دولة مرعوبة منهارة .
ومن اسوأ ما قام به الحكم الاخواني هو السعي لتدمير الاثار الفرعونية شأنه شأن حكم طالبان في افغانستان الذي فجر تمثال بوذا المنحوت في الجبال ومحاولة القضاء على النهضة الحداثية التي ارسى اسسها رواد النهضة المصرية من امثال رفاعة الطهطاوي وطه حسين ولطفي السيد وعلى عبدالرازق وسيد درويش ومحمد عبدالوهاب ويوسف وهبي وآخرون كما نشر الحكم الاخواني النزعة القبلية والعشائرية لدى المصريين في حين كان الفرعون اخناتون قد وحد في عهده جهتي القبلي والبحري لينشر روح المواطنة بين المصريين .
وظهر بأن عبدالفتاح السيسي قد استغل هذه المظاهر الفوضوية وعرف حاجة المصريين الى قائد قوي يواجه الفوضى الامنية وانتشار عمليات العنف التي يقوم بها مناصرو الاخوان وتنظيماتهم السرية رداً على سقوط رئيسهم محمد مرسي وطرح نفسه مرشحاً للرئاسة المصرية في ظل مناخ داخلي واقليمي مرحب وداعم لهذا الاختيار بخاصة ان السيسي قد اعلن الحرب على جماعة الاخوان وخاض معركة امنية شرسة ضد القيادات المؤثرة فيها وتمكن من اعتقال جميعهم وشن عمليات في صحراء سيناء لضرب الجماعات الارهابية المسلحة كما اتبع خطة انفتاح باتجاه قطاعات الشعب المصري ليتولى تسويق نفسه مرشحاً للرئاسة المصرية في وقت ازدادت حاجة المصريين الى الاستقرار الامني غداة تجربة كارثية مرعبة في اثناء الحكم الاخواني حاول فيه محمد مرسي تقنين الحريات الشخصية فمنح نفسه صلاحيات خطيرة عدت في حينها مقدمة لحكم دكتاتوري يعيد انتاج النسخ السابقة من الانظمة الدكتاتورية في المنطقة العربية .
صعد نجم السيسي بوصفه جنرالاً عسكرياً قاد القوات المصرية المسلحة للسيطرة على مقاليد الامور غداة الاطاحة بحكم مرسي واتفاقه مع شتى الفعاليات الحزبية والسياسية المصرية على فترة انتقالية تعهد لاحقاً لاجراء انتخابات رئاسية يتم فيها تعديل الدستور وبادر بالتخلي عن منصبه العسكري والنزول الى ميدان المنافسة على منصب رئيس الجمهورية .
وفعلاً اجريت الانتخابات فحصل السيسي على اكثر من 96% من الاصوات مقابل منافسه الموصوف باليساري حمدين صباحي الذي اتهم الانتخابات بالتزوير وهو الجدار الذي يتوكأ عليه الفاشلون والخاسرون فعمت الاحتفالات المدن المصرية بفوز السيسي ، فهل يصبح حكم السيسي الانموذج لربيع عربي حقيقي ام يظل الربيع العربي ينتج خريف البطريرك مثلما يحصل في كل من ليبيا واليمن حيث تدور المعارك القبلية والعشائرية وتسعى المافيات الى بسط سلطتها وسرقة الثروة النفطية مثلما يجري في ليبيا ؟
*من أسرة تحرير الصباح الجديد