صادق الشافعي
مستوى سوء وعدوانية صفقة ترامب – نتنياهو وطلاقها البائن مع الشرائع الدولية وقراراتها، إضافة إلى التفرد المطلق في الدعوة لها، ودرجة من الوقاحة تصل حد الاستهتار والتنمّر، كل ذلك لعب دورا مركزيا في تشكل الموقف العام الرافض أو المعارض للصفقة:
بدءا بالرفض المطلق مع التصميم على التصدي كما عبر عنه أهل فلسطين وقيادتهم السياسية وقواهم التنظيمية والمجتمعية. إلى الرفض وعدم التعامل كما قرره الإجماع العربي بالقرار الصادر عن اجتماع وزراء خارجية دوله بأوَضح التعابير وأكثرها دقة ومباشرة. إلى منظمة التعاون الإسلامي التي أكدت، في اجتماعها الأخير بجدة، نفس الموقف العربي، وبقرار على منوال قراره.
إلى الرفض أو المعارضة من شرائح مجتمعية في دولة الاحتلال نفسها بدءا بالمستوطنين وحركة استيطانهم، ومن قوى سياسية أخرى حتى لو ظل هناك اختلاف في أسباب ودوافع الرفض ودرجته، وفي ثقل الحضور. إضافة إلى عدد واسع من المعلقين السياسيين والصحافيين المعروفين.
وصولا إلى موقف المجتمع الدولي ودعوته إلى التمسك بالشرعية الدولية وقراراتها وبحل الدولتين، والى رفض التفرد الأميركي.
عبّر عن ذلك بشكل واضح ومباشر بيان الاتحاد الأوروبي، والكثير من الدول الأخرى.
هذا الوضع العام بمكوناته المشار إليها، وأساسها المكون الفلسطيني/ العربي، يجعل طريق العمل في المجال الدولي ضد الصفقة سالكا ومتجاوبا في جميع الاتجاهات:
من دول عدم الانحياز، إلى مجموعة السبعين زائد واحد، إلى الاتحاد الإفريقي، إلى محكمة الجنايات الدولية وصولا إلى مجلس الأمن، دون ان تثني عن التقدم له المعرفة المسبقة ان «الفيتو» الأميركي سيمنع صدور قرار، او حتى بيان يرفض الصفقة. ثم، إلى الجمعية العامة حيث الاحتمال عال بقرار يصدر بأغلبية كبيرة يرفض الصفقة. والقيادة السياسية الفلسطينية وهيئاتها التنفيذية تبدو جاهزة للقيام بهذا العمل واتخذت القرارات والاستعدادات اللازمة لذلك.
الأمور على المستوى الفلسطيني الداخلي لا تبدو سالكة بنفس القدر والتسارع.
الموقف الجماهيري لجهة رفض الصفقة والتصميم على التصدي لها يبقى ثابتا وقويا، ويشكل الأساس الذي تقوم عليها الحركة السياسية.لكن عدم «سلوك» الطريق يبقى متعلقا بالتنظيمات السياسية ودرجة مبادرتها وفاعليتها، وبدرجة حضورها الجماهيري. ومتعلقا أيضا، بخلافاتها التي فوق السطح او تحته.
لقد استقبل الناس بالاستبشار والفرح، الموقف الموحد للقوى الفلسطينية الرافض والمتصدي للصفقة، بارتباطه التام مع التوجه الجاد لاستعادة الوحدة الوطنية التي طال الشوق لها. وكذلك استقبلوا، قرارات السلطة الوطنية حول عناوين خلافية، مرتبطة بالعلاقة مع دولة الاحتلال.
هذه الحالة من الاستبشار والفرح تتعرض للاهتزاز والمخاوف.
من مظاهر الاهتزاز ومسبباته:
- التأخر غير المفهوم في البدء بأي إجراء عملي تجاه استعادة الوحدة الوطنية. ودون ان تكون وراء ذلك مبررات او أعذار معلنة ويقبلها العقل والمنطق.
- بدء التقاذف بالملامة وتحميل المسؤولية عن تأخر زيارة وفد قوى المنظمة من رام الله الى غزة كخطوة أولى وتحضيرية لبدء العمل الشامل لاستعادة الوحدة الوطنية. – بدء ظهور مقولات ومفاهيم في وسائل الإعلام تبدو غريبة في دلالاتها ومقاصدها، وفي ظروفها، مثل:
- قول الأخ الحية، في حواره مع الموقع الرسمي لـ»حماس» في 15/1/20: «المنظمة، ومشروع أوسلو فشلا وهما في تهاو وطريق مسدود….. لكنها (المنظمة) تآكلت وخطفت وضيعت وضاعت مكانتها واستراتيجيتها وتفرق الشعب من حولها».
- قول الأخ البردويل القيادي في «حماس» لوكالة «سما» الإخبارية في 2/2/20: «ضرورة ان يكون حوارنا (مع وفد المنظمة الى غزة) منصبا فقط على آليات مواجهة صفقة القرن دون الالتفات الى أي إشكالات جانبية» (كل بلاوي الانقسام مجرد إشكالات جانبية ؟!).
- جولات الأخ هنية إلى تركيا (مرتين)، وإيران وماليزيا، وحضوره في الأخيرة مؤتمر قمة إسلاميا الى جانب رؤساء تلك الدول وقطر. رغم ان هذا المؤتمر تم عقده خارج ومواز لمنظمة دول التعاون الإسلامي ومقرها جدة، ومقاطعة السعودية له.
وأيضا، قيامه، من مقر إقامته في الدوحة باستقبالات رسمية لبعض المسؤولين، وإجرائه اتصالات وتوجيه برقيات الى عدد من الرؤساء والمسؤولين في المنطقة. ما يثير الالتباس والتساؤل، وكأنها ممارسة لرأس قيادة سياسية فلسطينية موازية للقيادة الشرعية، والدوحة هي مقرها.
يخطئ ويسيء التقدير للناس ودرجة وعيهم، من يفهم ان حالة الاستبشار والفرح المذكورة تكونت كنتيجة فقط لبيانات التنظيمات عندما اتفقت على رفض صفقة ترامب – نتنياهو والتصدي لها، او لتصريح هنا ومكالمة هاتفية هناك.
حالة الاستبشار والفرح تكونت نتيجة لفهم الناس ورؤيتها لتلك البيانات أنها جاءت استجابة نضالية للتعامل مع خطر محدق، وأنها في الوقت نفسه تشكل مقدمة ومؤشر إلى الدخول في مسعى جاد جدا لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية بكل أبعادها وركائزها وتعبيراتها.
لا قيمة خاصة لأي لقاء وطني جامع دون ان يكون هذا الفهم أساسه وهدفه. اللقاء بهذا الفهم، ضروري وأساسي للنجاح في التصدي للصفقة وإفشالها، عن قناعة مؤكدة ان استمرار الانقسام الفلسطيني هو ركيزة أولى من ركائز سياسة دولة الاحتلال. واللقاء بهذا الفهم حاسم للحفاظ على الموقف المساند من حولنا في تصدينا للصفقة، ولاستثماره بالشكل الأفضل، ولمواجهة أي احتمال لتفككه او تفلته.
جريدة الايام الفلسطينية