النسق الحكائي والتوتر الدرامي في (اعيدوا الي طفولتي)

علوان السلمان

….يشبه الشاعر والمسرحي(هنريك ابسن) عملية كتابة الشعر(بجلسة يقضيها الشاعر في تعذيب ذاته)..من اجل خلق ابداعي لتجربة شعرية ناضجة..واعية تفصح عن مستويات تأويلية متعددة في سياقات تتآلف فيها مساحات التوتر والتنافر والتجاذب على نحو فني مستفز لذاكرة المستهلك(المتلقي)..
وباستحضار المجموعة الشعرية(اعيدوا الي طفولتي) التي نسجت عوالمها النصية انامل مبدعها ئاوات حسن امين الذي يعد واحدا من الشعراء الكرد الذين انشغلوا بحداثة النص الشعري..فارتقى به الى المكانة التي تجعله يضاهي ما انتجه الشعراء الكورد المعاصرين..وقد اسهم الاتحاد العام للادباء والكتاب العراقيين في نشرها وانتشارها/2018.. كونها نصوصا تتشكل على وفق تصميم ينم عن اشتغال عميق يعتمد التقاط الجزئيات وصياغة رؤيوية ترقى من المحسوس الى الذهني في مجمل تحركاتها الدرامية ودلالاتها اللفظية..بقصدية تخوض في عوالم موحية عبر مشهدية حركية تعتمد ثنائية الاسترجاع والتذكر من اجل تشكيل بنية نصية بعناصر متضافرة يشكل بؤرتها ضمير المتكلم (انا)..
اليوم تعدى
عمري الخمسين عاما
واصبحت عتالا
لدى الايام
احمل على ظهري
حقيبة تحاكي ذكريات الامس
فأصبحت كفنار
هوى على وجه البحر
اغدو واروح
بلا استراحة.. بلا استقرار
آه ياخصوم عمري
اعيدوا الي طفولتي
فلقد ضجرت من الكبر /ص9 ـ ص10
فالشاعر يحاول الامساك بالنسق الحكائي والتوتر الدرامي مع حرص على الايقاع والصورة الفنية وهو يمارس طقوس الارتقاء في جملته الشعرية عبر لغة حافلة بالايحاء اللفظي فينسج نصا يزاوج ما بين واقع انساني مكتظ بالاغتراب والتأزم النفسي ابتداء من العنوان الايقونة الدالة بفونيماتها الثلاثة التي تشير الى حمولة نفسية تعبر عن صراع الذات والزمن..
عندما اراك..
ينتابني الخوف
من التعري
لانك اكثر من نفسي
تعرفينني..
ايتها
الحقيقة.. /ص54
فالشاعر يبوح بوحا اقرب الى حوار الذات ويستنطق المكان بصفته دالا اشاريا متشعب الاحداث والذي شكل بؤرة تجتمع فيها خيوط النص وتمنح نسيجه تماسكا ووحدة موضوعية من خلال سرد المواقف المتوالدة التي تكشف عن بعد نفسي لذات المنتج(الشاعر) المأزومة..باستثمار التداعي والتفاصيل اليومية لاضاءة بعض العوالم المعتمة بلغة محكية عبر خطاب الذات ومناخاتها للتعويض عن الغربة وايجاد حالة من التوازن والعالم الموضوعي..
عفرين..
بكاء على بوابة القرن
الحادي والعشرين
عفرين..
ذوبان الشمس
في كأس من الغدر
عفرين..
طفولة مذبوحة
أمام باب الخلافة
عفرين..
صلاة الموتى
على الحاضرين
دماء شهداء ص11 ـ ص12
فالنص يعبر عن هم انساني بمخيلة متدفقة تحول الفكرة الى صورة بتشكلات مقطعية تمتاز بالتكثيف والايجاز والاختزال والانزياح حققت اكتناز النص الشعري وسياقه الدرامي المستند على تصادم المتضادات الثنائية مع خوض في اعماق الذات الجمعي الاخر لتفجير اللفظ وتشكيل الصور الشعرية التي هي وسية الشاعر لانجاز وظائف نفسية وتخييلية..كونها فعالية تقوم على التشبيه والمجاز والاستعارة..والتي تكشف عن عمق تعبيري صانع لجمالية النص المنساقة مع بعض وجوه الطبيعة..اضافة الى ان المنتج(الشاعر)يوظف تقانة التكرار الدائري كلازمة للتنبيه والتي شكلت حركة ايقاعية مضافة ودلالة موحية ترتقي بالنص فنيا..مع كشفها عن بعد نفسي لذات المنتج القلقة..
تفرش الغرفة
مسودات قصائد
وبدايات لكتابة سيرتي
ورسائل من اصدقاء لي
اخذتهم المنافي
على الجدار
علقت صورا..
لكوران
والسياب
واحمد شاملو
وصورة لي
فالنص يخلق واقعا مشحونا بدينامية حركية فاعلة بتوظيف كينونات تواصلية انجزتها(تكوينات لسانية محكيةاومكتوبة)على حد تعبير جان ماري سيشايفر. بحوارية ذاتية(منولوجية) متكئة على ضمير المتكلم(انا) الباحثة في المكان لتحقيق كينونتها بتحويل المحكي الذاتي الى موضوعاتي..مع توظيف المكان بشقيه: الجغرافي (مفتوح/مغلق/عتبة..) والدلالي المتجاوز لواقعيته بتحوله الى جسد لغوي يعتمد التأويل..
من كل هذا نستطيع القول ان فعل كتابة النص في تجربة المنتج(الشاعر) ئاوات حسن أقرب ما تكون الى العمل الذي يوجب تحطيم جمجمته بحكم عواصف التفكير الحاد ابان عملية الكتابة.. كما يقال..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة