هستيار قادر
انتهى بتنحّي مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان تقليدٌ عمَّر لعشرات السنين في كردستان، وانتقل معه زمام الحكم من «جيل الجبل» إلى «جيل المدينة»، ولكن السؤال يبقى ماذا يمكن أن يفعل الجيل الجديد لكردستان؟
بتنحى مسعود بارزاني عن منصب رئيس إقليم كردستان في الأول من الشهر الماضي عن منصبه انتهى آخر رموز جيل الجبل ضمن دعائم الحكم في كردستان وبدأ حكم جيل جديد من الاكراد الذين ولدوا وترعرعوا في المدينة.
ويطلق «جيل الجبل» على القادة العسكريين والسياسيين الذين خاضوا ميدان النضال منذ الستينات من القرن الماضي والذين تسلموا زمام الحكم في كردستان بعد انتفاضة آذار (مارس) من عام 1991، ومن أبرز هؤلاء جلال طالباني الرئيس العراقي السابق ومسعود بارزاني رئيس الإقليم المتنحي ونوشيروان مصطفى المنسق العام لحركة التغيير التي كانت اكبر حركة معارضة في كردستان، إذ رحل الأول والثالث بسبب المرض فيما لا يزال الثاني على قيد الحياة وهو متنحٍ عن منصبه.
وطوال (26) عاما من الحكم الكردي كان إصدار جميع القرارات في يد جيل الجبل، إلا أن جلال طالباني ونوشيروان مصطفى قد رحلا هذا العام فيما بقي مسعود بارزاني كحاكم وحيد في المنصب.
عندما قرر التنحي كان بارزاني في اعلى منصب إداري وسياسي وعسكري لإقليم كردستان، إذ وزعت سلطاته على الحكومة والبرلمان والسلطة القضائية، ويدير الموقعين الأول والثاني «جيل المدينة».
أما عبارة «جيل المدينة» فتطلق على تلك المجموعة من السياسيين ممن لم يشاركوا في ثورات كردستان بشكل مباشر بل كانوا في معظم الاحيان في المدن وخارج العراق، وبعض هؤلاء هم من أحفاد وأقارب قادة الجبل، فيما أوصلت الظروف السياسية المختلفة البعض الآخر إلى تلك المناصب.
ويتكون الجيل الثاني بعد مسعود بارزاني داخل الحزب الديمقراطي الكردستاني من نيجيرفان بارزاني ابن اخ مسعود بارزاني وابنه مسرور بارزاني، فالأول هو رئيس الحكومة أما الثاني فيشغل منصب رئيس مجلس امن كردستان.
أما الجيل الثاني بعد جلال طالباني فيتكون من قوباد وبافل طالباني ابني مام جلال ولاهور شيخ جنكي ابن أخيه، والأول هو نائب رئيس الحكومة أما الاثنان الآخران فهما متنفذان في السلك الأمني وإدارة السلطة الكردية تحولت فعليا إلى الجيل الجديد الذي قد يختلف كثيرا عن الجيل الأول في تفكيره ونظرته إلى العالم.
فريد اسسرد العضو القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يحسب على «جيل الجبل» قال لـ»نقاش»: حول تعاقب الأجيال في الحكم «نكاد نقترب من مرحلة انتهاء القادة الكاريزميين والقادة الذين سيظهرون بعد الآن ليسوا كاريزميين ويجب عليهم التفريق بين السياسة والتحزب والفساد، وان تمكنوا من ذلك فسيكون هم هذا الجيل الجديد هو الرفاهية والسلام وتحقيقهما سيكون سليما».
ويحتفظ معظم أصدقاء «جيل الجبل» بعضوية المكتب السياسي داخل اغلب الأحزاب الكردية وهم متنفذون فيها، إلا ان قرار الحكم قد تحول فعليا إلى الجيل الثاني.
ومع انه من الصحيح ان الجيل الجديد شارك في جزء مهم من «انتصارات وفشل» الجيل القديم، ولكن يؤمل منه أحيانا ان يحدث تغييرا في التفكير السياسي ويتنازل عن تقليد «العناد السياسي» الذي كان سببا في الكثير من مشكلات كردستان.
اختلاف آخر بين هذين الجيلين يكمن في أن الجيل الأول يدعو إلى الاهتمام بـ»الشؤون القومية»، أما الجيل الثاني فقد رفع «خدمة الناس» شعارا له مع تشديد اقل على الشؤون القومية.
وقال آري هرسين العضو القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني والذي يحسب على «جيل المدن» لـ»نقاش»: انه «ليس من المهم ان يكون من في الحكم هو ابن الجبل او المدينة، بل المهم هو نظام تفكيره، اذ يوجد من جيل ما بعد الانتفاضة من هو فارغ في نظام تفكيره».
وأضاف هرسين: «لا يمكن التفريق بين الشؤون القومية وخدمة الناس ولابد أن يكونا محاذيين، وان تعامل الجيل الجديد مع واقع كردستان ومشكلاتها يشكل مهمة صعبة».
وربما كان احد زعماء هذا التغيير هو نوشيروان مصطفى المنسق العام لحركة التغيير، اذ بدأ منذ عام 2009 بالدعوة الى منح دعائم الحكم إلى الشباب وجيل المدينة، وبالفعل زج بالعديد من الوزراء الشباب إلى الحكومة، كما يعتبر كل من يوسف محمد رئيس برلمان كردستان وآرام الشيخ محمد نائب رئيس البرلمان العراقي ضمن الحركة من جيل المدينة.
الأحزاب الأخرى أيضاً حذت الحذو نفسه تدريجيا وظهر عدد من القادة الشباب من جيل المدينة ضمن الأحزاب الكردستانية الأخرى.
وقال ريبوار محمد المتحدث باسم الجماعة الإسلامية في كردستان لـ»نقاش»: «تتألف قيادة الجماعة الإسلامية الآن من مزيج من قادة الجبل وجيل ما بعد الانتفاضة، ويتواجد هذا الجيل في أوساط القرار ولديه وزراء ونواب أيضاً، وهذا جزء من رؤيتنا حول تداول السلطة».
وظهر التغيير أيضا خارج الأحزاب السياسية، فقد أعلن رجل الأعمال شاسوار عبد الواحد خلال الفترة الماضية «لا في الوقت الحالي» لمواجهة إجراء الاستفتاء وحول حركته فيما بعد إلى قائمة سياسية تدعى «الجيل الجديد» من اجل المشاركة في الانتخابات القادمة.
ومع أن الجيل الجديد الذي يستحوذ الآن على المناصب الادارية والسياسية في الإقليم لم ينخرط تماما في تجربة هذه المرحلة، إلا انه يلام على كونه من مسببي معاناة كردستان بسبب مشاركته في جزء مهم من القرارات التي اتخذها الجيل السابق.
وأمام هذا الجيل «جيل المدينة» ثمانية أشهر حتى الانتخابات القادمة لإظهار قدرته وإمكانياته على اتخاذ القرار من دون وجود «جيل الجبل»، ولكنه أيضا يواجه معضلة تأمين المعيشة والرواتب للمواطنين.
ويرى د. امين فرج أستاذ العلوم السياسية في جامعة صلاح الدين في أربيل أن «جيل الجبل» كان يسعى للمكاسب السياسية عبر «الشرعية الثورية»، أما الجيل الجديد فعليه خدمة المواطنين عبر المشاريع.
وأضاف فرج لـ»نقاش»: «من المهم أن يكون مواطنو الإقليم قد وصلوا إلى ذلك المستوى من الثقافة الذي يمكنهم من تخطي الجيل الكلاسيكي السابق عن طريق الانتخابات، فالمواطنون يطالبون الآن بالرفاهية».
ويتحمل كلا الجيلين في كردستان حصتهما من الانتصارات والهزائم، ولكن المواطنين ينتظرون معرفة ما إذا كان جيل المدينة يمكنه إحداث تغيير في كردستان لم يتمكن «جيل الجبل» من تحقيقه؟
*عن موقع نقاش.