بغداد – هشام الهاشمي:
ان التكتيك العسكري لداعش يعتمد على نقل المعركة دائماً الى أراضي سنة العراق، ويعتمد على تكتيك الجبهات المتعدّدة، لفقدان داعش للحاضنة، والتطفل على التوافق في المذهب والعشيرة مع سنة العراق، ولتجنب الضربات الجوية، وتشتيت الجهد العسكري للقوات العراقية .
وتعتمد أيضا على العمليات الإرهابية المفاجئة، التي لا تصمد طويلا، حتى لا تخسر رأس الرمح فيها وهم المقاتلون من العرب والأجانب (الانتحاريون والانغماسيون)، الذي يسبب أضعاف معنوياتهم، وتعتمد أيضا على الصدمة القوية، فتبدأ عملياتها الإرهابية بالانتحاريين ومن ثم تتبعهم بالانغماسيين الذين يقتحمون الأهداف العسكرية وبأعداد محدودة، وهم بذلك التكتيك يستهدفون مراكز القيادات العسكرية والسجون والدوائر الأمنية، لشل حركة الوحدات الصغيرة واربك خططها وإيقاع أكبر الخسائر.. وأن أخطر ما تعتمده خلايا داعش هو عمليات الاستنزاف و حرب العصابات وحرب المدن.
قامت مؤسسة الفرقان، ومعها المئات من المواقع والمنتديات التابعة لها بترويج إصدارها المرئي «صليل الصوارم الجزء الرابع» في الثالث من حزيران الجاري، وقام جيش داعش الإلكتروني بنشره في مواقع التواصل الاجتماعية، وهو إصدار مرعب أتقن القائمون على إخراجه وإنتاجه فن الحرب النفسية، وأكاد أجزم أن غالبية جنود القوات العراقية قد شاهدوا هذا الإصدار، وهم وقعوا فريسة للحملة الدعائية الواسعة لهذا الإصدار..
الذي يظهر وبطريقة السينما الهوليودية أن داعش عازمة علي شن عملياتها الإرهابية القاسية على كل جندي عراقي وبنفس الوحشية من قطع الرؤوس والإعدامات والكواتم وحفر الأسرى لقبورهم بأيديهم..
صور بشعة للإطاحة بالمعنويات العسكرية، وكانت داعش تنوي بعد ذلك النزول لعملية واسعة في الساحل الأيمن في الموصل في يوم السادس من حزيران في ذكرى مقتل الزرقاوي، لكنها صدمت بمقتل رئيس المجلس العسكري لها «عدنان إسماعيل نجم البيلاوي» في ليلة الخامس من حزيران، فتأخرت العملية، وتحولت من عملية استعراض في بعض أحياء الموصل الى عملية إرهابية كبرى بعنوان «الثأر للبيلاوي»، وأصبحت غايتهم من تلك العمليات توريط سنة الموصل في الدخول في معاركهم ضد القوات الحكومية.
في السابع من حزيران ارسل البغدادي الى ولاية نينوى تعزيزات عسكرية عبر الحدود السورية العراقية وبالتحديد من منطقة العكيدات ومعهم (750-800) مقاتل عربي وأجنبي ومن جنسيات مختلفة لكن غالبهم من شمال أفريقيا ومصر والخليج، لرفع الروح المعنوية لمقاتلي ولاية نينوى، الذين يقدر عديدهم بـ (1000مقاتل).. حيث كانت أعداد القوات الأمنية ضمن عمليات نينوى والتشكيلات الأمنية الاخرى تقدر بـ(75.000-80.000) عنصر أمني.
وفـي يوم الثامن من حزيران تم تكليف نائب البغدادي على أمارة العراق في تنظيم داعش، المدعو (فاضل احمد عبدالله الحيالي العفري، الشهير بابي مسلم او بابي معتز التركماني) بالإشراف على غزوة «الثأر للبيلاوي»، وأيضاً تم تنصيب المدعو (الشيخ عبدالله يوسف، ابوبكر الخاتوني) والياً على ولاية نينوى في تنظيم داعش، ونقل الوالي السابق لولاية نينوى المدعو (رضوان الحمدوني، المكنى بأبي جعفر) لقيادة ولاية الحدود، وكلف بمهمة الإشراف على تأمين نقل المقاتلين العرب الى الساحل الأيمن من منطقة العكيدات.
وكلف المدعو (زياد سليم الحمداني) عسكري ولاية نينوى بمباشرة الهجوم على سيطرات الشرطة الاتحادية وجميع ثكناتها، حيث كان عديد المفارز والخلايا المهاجمة قريب من (25 مفرزة وخلية)، تتكون كل مفرزة من(20-30) مقاتلا.
في الساعة «الحادية عشر مساء من ليلة العاشر من حزيران» كانت المفارز كل واحدة منها بالقرب من المهمة التي حددت لها، وبدأت الهاونات تقصف مقرات الشرطة الاتحادية قصفا شديدا وفي نحو ثلاث ساعات قضى القصف على المتبقي من المعنويات لدى الشرطة الاتحادية، في الساعة الرابعة صباحا انتقل اللواء مهدي الغراوي وضباطه الى مقر بديل وبمعيته قادة من العمليات المشتركة والقوات البرية.. وبذلك تقرر مصير هذه المعركة بين داعش وقيادة عمليات نينوى.
ولكن لماذا جاءت النتائج بهذه الطريقة؟
أظن السبب في ذلك بأن داعش وأنصارها كانوا بارعين في توقيت عملياتهم الإرهابية لقيادة عمليات نينوى والشرطة الاتحادية، فضلا عن التثبيط الإعلامي المضاد، والفساد المالي، والهروب المبكر لضباط قيادة عمليات نينوى.
لم تلاق داعش مقاومة شعبية في مدن الموصل، لان أهالي الموصل ليسوا بالضد من داعش وايضاً ليسوا معهم.. وبسبب التأزم الأمني بين أهالي الموصل والقوات الأمنية، وقف معظم الأهالي بالحياد من القوات الأمنية!
لم تحدث معارك قوية فعلية بين القوات العراقية وخلايا داعش وإنما عبارة عن انسحاب دون قتال من جانب القوات الأمنية، واستمر هذا الانسحاب لمدة خمسة ساعات حتى الواحدة ظهرا من يوم العاشر من حزيران، بسبب الصدمة الأولى التى نتجت عن عدم وجود قيادة تدير المعركة في بداية هجوم داعش، وما نتج عنها من سيطرة مطلقة لخلايا داعش على مدينة الموصل. فـي عصر العاشر من حزيران عزلت خلايا داعش الساحل الأيمن عن الساحل الأيسر حتى سيطرت على المطار ومقر المحافظة ومعسكر الغزلاني، ثم فتحت كل الطرق المسدودة وسيطرت على المصارف واستولت على كل ما فيها من أموال التي تقدر بـ (425) مليون دولار واستولت على كل الأسلحة والأعتدة والعجلات العسكرية التي يقدر ثمنها بـ (مليار ونصف مليار دولار). وفـي اليـوم التالـي هاجمـت داعش وأنصارها جنوب الموصل باتجاه صلاح الدين وخاصة مناطق الشرقاط وبيجي والصينية وتكريت وسامراء والعلم والزوية والضلوعية، حيث استيقظت خلاياها النائمة!!
عمليات سامراء قاومت ببسالة و كبدوا داعش اكثر من (70قتيلا) بينهم أعداد كبيرة من المهاجرين (رأس الرمح لداعش) ونتيجة صمودهم بدأت المعنويات العسكرية والعشائرية ترتفع بالضد من داعش، واستطاعت عشيرة جبور بقيادة الشيخ ابي المنار العلمي من صدهم في العلم والحجاج وصدهم الجبور والخزرج في الضلوعية بقيادة العقيد حمادة متعب الجبوري وصدتهم عشائر تميم بقيادة الشيخ كريم نومان الحشماوي في يثرب وبلد وصدتهم عشائر المجمع والجيسات بقيادة المقدم باسل الجيسي في الإسحاقي ووسط تكريت..
ولا تزال قيادات داعش رغم تعدد جبهات عملياتها الإرهابية قلوبها وعقولها معلقة بحزام بغداد، لكنها لن تصمد طويلا، في جغرافية انتشار واسعة، وجغرافية سكانية (سنة العراق) غير منسجمة معها.