بغداد ـ الصباح الجديد:
يقدم الفنان سنان حسين تشكيلاً مختلفاً من خلال إعادة بناء الإنسان وتمثلاته عبر وجوه وأجساد يتدخل العجائبي في بنائها، فتشكل قوانينها الخاصة من دون أن تغير قوانين طبيعتها البشرية. هذه التمثلات يقدمها في معرضه الجديد (قربان الروح) الذي تقوم فكرته على البطل الوهمي غير الموجود، ذلك الكائن الذي يحاور ذات الروح التي كانت هنا ذات يوم في المكان نفسه.
حسين يسعى لرسم سماوات أخرى لها القدرة على التهيؤ بوجود هذا الكائن، قبعة خفية وهمية دلالة على الروح الغائبة، عنصر مسخ تحول إلى طائر وأرجل ليس لها القدرة على ملامسة الأرض للدلالة على وجود هذا العنصر في مكان آخر بحثاً عن الأمان والطمأنينة.. إلا أن المرأة تبقى هي الوحيدة في انتظار الغائب الذي فقد الحقيقة بوجوده وأدرك أن الحياة قد أخذت روحه، هذا الغائب الذي لم يبق منه سوى صورة فوتوغرافية معلقة على جدار أو يد غير حقيقية، في محاولة منه لرسم الحرب بأشكال وتقنيات مغايرة عن الأعمال التي رسمت بشاعة الحرب وكينونتها التدميرية.
يشير سنان حسين، إلى أن الفكرة التي سيطرت على أعماله تمثَّلت بالعالم الذي يتجه نحو الغائب غير المنطقي بحسابات تكاد تتجرد من المعقول، راسماً دورة حياة مليئة بالألم، «لا يوجد سوى فراغ أضع فيه كائناتي غير الحقيقية المغيبة التي رفضتها الأرض، رقص وغناء وعزلة، وكل قربان هو محاولة لمعرفه حقيقة الروح».
مضيفاً أن الإنسان الحالي لا يدرك حقيقة الوجود، كائن يتصور فقط، ويحلم لوجود الحقيقة، لكن القربان هو الوحيد القادر على إدراكها.. فكل قربان هو حقيقة، والحقيقة هي الحياة الأخرى المتمثلة بالروح التي تبحث عن مكان آمن لتقص حكاية كانت هنا، فكلنا أرواح متمثلة بجسد غير حقيقي.. هذا هو الإنسان، حسب وجهة نظر حسين.
المعرض الشخصي العاشر الذي أقامه سنان حسين في قاعة البوشهري في الكويت منتصف شهر ايار/ مايو، قدّم فيه أعمالاً كانت العجائبية محوره الرئيس، فالأجساد المبتورة، والأرجل الطائرة، والوجوه التي تتشبه في بعضها بالحيوان وأخرى بإنسان مختلف، يبحث من خلالها عن الكمال، كأن فرانكشتاين يعود من جديد ليشكل كائناً جديداً ساعياً عن الكمال، «هو عالم معرفي خليط بفكر أقرب إلى الخيال، فالجسد ليس جسداً مكتملاً، وهذا لا يعني الكمال الحقيقي الذي يتكون به الإنسان وإنما الكمال الحقيقي أبعد من ذلك .. حتى الجسد في بداية التكوين لم يكن جسداً كاملاً بصفاته، بل تغير بتغير البيئة والمكان إلى أن وصل لمفهوم الكمال، فأصبح يتشكل بأشكال أقرب إلى الحيوان، لكن بصفات مشتركة مع الإنسان ليجد نفسه، ليس هو فقط، الكائن الذي رفض الأرض واتجه نحو العالم الآخر، متحولاً في عالم فسيح يمتلك الخبرة والفلسفة الكاملة».
ولا يقصد حسين بالمسخ التشوه بمعنى الكلمة، فهناك الكثير من المسوخ في الإنسان الحقيقي، لكنه في الوقت نفسه يملك كل الطاقات ليبلغ الكمال إلا أنه لم يتمكن من ذلك أبداً. «أما كائناتي فهي حقيقة، صبورة، تعيش بدون يدين ولا أرجل، وليس لها كيان سوى أجساد مرتبطة ببعض، تتناسخ في عالم عجائبي، فضلاً عن أن هناك الطفل الذي يكاد يكون البطل الحقيقي في عالمي الخاص، وهو الذي ينتج الكائن الكبير وليس العكس، وهناك الديك دلالة على التكاثر، وهناك المسيطر الذي يقود هذا الكم من المتحولين». مؤكداً أن ما قدمه من أشكال لم تكن تشويهاً للإنسان وطبيعته، بل هي إعادة خلق لبناء أجساد جديدة ضاق بها العيش بهذا العالم الأرضي، فبنى أجساداً بأشكال جديدة لتتناسخ مع الأشكال الحيوانية التي تنتج؛ بدورها، كائنات جديدة لتتمكن من المحافظة على بقائها على هذه الأرض.
من المميز في أعمال حسين اشتغاله الخاص على اللون، فتوزيعه للكتل اللونية جاء بفلسفة تشكلت من خلال وعيه وتجاربه التي امتدت على طول عشرات المعارض، فيرى أن اللون إيقاع تعبيري لا يحتمل الصدفة، لكن وعي الفنان يدركه تماماً حين يشتغل على بياض اللوحة، وهو يختلف باختلاف الكتل ومساحة التوزيع. مبيناً أن بعض الكتل اللونية مرتبطة بالمضمون، وبعضها بالشكل المخزون داخل العقل، فيحدث التعبير المجرد من الشكل إلى اللون ليخلق التوازن الموحد بينهما. لكل لون تعبير، ولكل لون طاقه يفرزها الجسد ابتداء من العقل وصولاً للقلب ولا ينتهي باليد التي تتلمس وترى اللون.
وفيما إذا كان هناك لون شرقي أو غربي، يوضح حسين أن هذا راجع للارتباط بالموروث، «أنا أؤمن بذلك من ناحية الشكل واللون، ولكل حضارة قيم وإدراك لوني مختلف عن الحضارة الأخرى، ولكن يبقى الفنان هو المعبر الرئيس لوجود اللون، فإن وجد اختلافاً فهو الذي تحدده البيئة والمكان وتعبير روحيه الفنان».