سعدي المالح 1951 – 2014

سعدي المالح 1951 – 2014

خسارة جديدة تضاف إلى خسارات الثقافة العراقيّة، برحيل الروائي والقاص د. سعدي المالح، الذي توفي مساء أمس الأوّل الجمعة اثر نوبة قلبيّة مفاجئة، ونعاه الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق، رحل بعد مسيرة ناجحة في الكتابة الأدبيّة وفي الإدارة الثقافيّة والإسهام بصناعة مشهد إبداعي جديد عبر ما أشرف على تنظيمه من مهرجانات وأنشطة وإصدارات أدبيّة متنوّعة.

قراءات لأعماله

ليس من السهولة الدخول إلى عالم رواية (في انتظار فرج الله القهار)، للقاص والروائي العراقي سعدي المالح، على الرغم من أن الرواية ليست من نمط الروايات ذات الطابع التجريبي، بل يبدو بناؤها في صفحاتها الأولى ـ للقارئ غير الخبير ـ تقليدياً، بسبب الأسلوب السردي الذي استعمله المالح على امتداد الخمس والعشرين صفحة الأولى، ففي هذه الصفحات يقوم الراوي العليم بمهمة سرد الأحداث التي هي بمنزلة التأثيث الأولي لعالم الرواية، غير أن هذا القارئ سيجد نفسه في ورطة بعد تلك الصفحات، لأن الروائي سيلقي به في عالم ذي فضاء لا حدّ لاتساعه. إن هذا الفضاء الرحب الذي بناه الروائي بمهارة لن يساعد القارئ، بل سيربكه إذا لم يكن متيقظاً ومتتبعاً بدقة ما تحت النسيج الداخلي للرواية، لأن (في انتظار فرج الله القهار) ليست رواية أحداث، إنما هي رواية أفكار.

وروايات الأفكار، في الغالب، تتوسل في أبنيتها الداخلية عوالم معقدة تصل بها حد الغموض والتغريب عن الواقع كما في روايات كافكا أو العبث كما في أدب بيكيت ويوجين يونسكو، ويساعدهم في ذلك الخطاب الفلسفي الذي لا مناص منه في هذا الضرب من الجنس الأدبي. فكيف عالج الروائي سعدي المالح فكرته التي هي مزيج من أفكار دينية وفلسفية؟، إن هذا السؤال سيقودنا إلى سؤال نقدي أكثر حدة وواقعية وهو: كيف يمكن لنا الحديث عن رواية من دون حكاية أو عقدة تتطور أحداثها بتطور شخصياتها إيجاباً أو سلباً؟.

لا سبيل أمامنا سوى الدخول إلى عالم الرواية الواسع جداً من ناحية الزمن الذي يبدأ من الماضي القريب إلى الحاضر، ثم يرتد إلى الماضي في تعاقبات متعددة لم يتطرق إليها الارتباك أو الخلل، وذلك يعود إلى مهارة الروائي وخبرته الكبيرة في استعمال أساليب بناء روائية شائعة جداً أنقذت روايته من السقوط في الغموض والضبابية، إضافة لأسلوبه الذي اعتمد الجملة القصيرة ذات التوتر العالي التي تحولت في كثير من مقاطع الرواية إلى شعر. 

محمد شاكر السبع

عنوان كعنوان رواية سعدي المالح (في انتظار فرج الله القهار) لو استثنينا حرف الجر، ولفظ الجلالة، يفضل لدينا ثلاث مفردات متناقضات متلازمات/ القهر/ الانتظار/ الفرج/ كل كلمة منهن تشير بالإدانة إلى ما قبلها، وبالإيحاء لما بعدها، حيث تستدعي سببية القهر رفضه والثورة عليه، والتي قد تكون ثورة / عفوية / انفعالية / أو ثورة مدروسة مخطط لها بقصدية ودراية محسوبة النتائج مثل الكثير من الثورات التي أسقطت النظم الدكتاتورية سواء في العالم العربي أو في العالم..

يتجلى القهر كمحصلة طبيعية لواقع ظالم، ويتجلى الانتظار كمحصلة مرهونة بقوانين التأريخ، ويتجلى الفرج كمحصلة نهائية منشودة. وما علينا إلا التوغل في غابة الرواية المتشابكة الأزمنة والأمكنة والذكريات، لنصل إلى أن الانتظار هو الترياق الروحي الذي يستخلصه المقهورون من سُمِ الواقع المعيش، ليُسكتوا به ألم القهر، ويعتصموا بأسباب الإيمان ليسموا نحو الأمل المنشود، أو الفرج المنتظر.

حامد فاضل

في رواية د.سعدي المالح (في انتظار فرج الله القهار)، لم يتحول الوجع العراقي المستديم إلى مراثٍ ذاتية ولم يتحول إلى قصيدة تأبينية يزول تأثيرها بزوال المناسبة، بل حَمَل الشعبُ صليبهُ على ظهره ماضياً في درب الجلجلة موقناً بأنه سيلقى فرج الله القهار، أياً كان، في نهاية المطاف، في المقابر الجماعة لضحايا مجازر سُمّيل، أو مجازر حلبجة والأنفال، أو الحروب التي أدمن عليها الحاكم بأمره. أطفال من الجنسين، وعجائز وشيوخ، وجنود، وشجعان، وجبناء، مروا إلى السماء عبر سُمّيل وحلبجة والأنفال والفاو، ينتظرون انفتاح باب الملكوت لهم، فهم أرواح هائمة تريد أنْ تفهم لماذا، لماذا حصل الذي حصل، تنتظر فرج الله القهار، الفعّال في الحياة الأولى والحياة الأخرى.

د. اسماعيل محمد فهمي

قالوا عنه

قبل أسبوع التقيته في بيروت، وكانت جلسة غير متوقعة في أحد مقاهي شارع الحمرا، بصحبة الإعلامية نوال الحوار والشاعر خالد المعالي، ووعدني بروايته الجديدة، وكان متوهجاً بوجوده في بيروت حيث أجرى حوارات مع أحمد علي الزين في العربية ومع د.نوال، وحدثني انه تعب من حياته الوظيفية ويفكر بالتفرغ للكتابة، وبرغم أنه يعاني من آلام في الساقين لكنه بدا مليئاً بالتفاؤل ….الرحمة لك سعدي المالح، الإنسان الذي أحبه الجميع.

شاكر الأنباري

لماذا ؟ – مثلما قالها كاظم الحجاج- «تصرون على إنقاص عددنا ونحن قلة أصلاً»، سيدي د.سعدي المالح، كم كنت مضيافاً رائعاً طوال الدورات الثلاث التي حضرتها على هامش مهرجان الثقافة السريانية في عينكاوا … كم كنت عميقاً ومثقفاً وأنت تقدم لنا آخر أعمالك رواية «عمكا» التي تتحدث وتؤرخ وتؤرشف «عينكاوا» تاريخياً عبر سرد جمالي رائع…. وداعاً أيها القلب الكبير…. وداعاً أيها القاص السبعيني الرائع.

محمد علوان جبر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة